وَقَوْلُهُ: ﴿لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا﴾ [النبأ: ٢٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ الطَّاغِينَ فِي الدُّنْيَا لَابِثُونَ فِي جَهَنَّمَ، فَمَاكِثُونَ فِيهَا أَحْقَابًا وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿لَابِثِينَ﴾ [النبأ: ٢٣] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: ﴿لَابِثِينَ﴾ [النبأ: ٢٣] بِالْأَلْفِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: (لَبِثِينَ) بِغَيْرِ الْأَلْفِ؛ وَأَفْصَحُ الْقِرَاءَتَيْنِ وَأَصَحُّهُمَا مَخْرَجًا فِي الْعَرَبِيَّةِ، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِالْأَلْفِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ لَا تَكَادُ تُوقِعَ الصِّفَةَ إِذَا جَاءَتْ عَلَى فَعِيلٍ، فَتُعْمِلُهَا فِي شَيْءٍ، وَتَنْصِبُهُ بِهَا، لَا يَكَادُونَ أَنْ يَقُولُوا: هَذَا رَجُلٌ بَخِلٌ بِمَالِهِ، وَلَا عَسِرٌ عَلَيْنَا، وَلَا هُوَ خَصِمٌ لَنَا، لِأَنَّ فَعِلَ لَا يَأْتِي صِفَةً إِلَّا مَدْحًا أَوْ ذَمًّا، فَلَا يَعْمَلُ الْمَدْحُ وَالذَّمُّ فِي غَيْرِهِ، وَإِذْ أَرَادُوا إِعْمَالَ ذَلِكَ فِي الِاسْمِ أَوْ غَيْرِهِ جَعَلُوهُ فَاعِلًا، فَقَالُوا: هُوَ بَاخِلٌ بِمَالِهِ، وَهُوَ طَامِعٌ فِيمَا عِنْدَنَا، فَلِذَلِكَ قُلْتُ: إِنَّ ﴿لَابِثِينَ﴾ [النبأ: ٢٣] أَصَحُّ مَخْرَجًا فِي الْعَرَبِيَّةِ وَأَفْصَحُ، وَلَمْ أُحِلَّ قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ: (لَبِثِينَ) وَإِنْ كَانَ غَيْرُهَا أَفْصَحَ، لِأَنَّ الْعَرَبَ رُبَّمَا أَعْمَلَتِ الْمَدْحَ فِي الْأَسْمَاءِ، وَقَدْ يُنْشَدُ بَيْتُ لَبِيدٍ:
[البحر الكامل]
أَوْ مِسْحَلٌ عَمِلٌ عَضَادَةَ سَمْحَجٍ | بِسَرَاتِهَا نَدَبٌ لَهُ وَكُلُومُ |