حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «هِيَ السَّمَاءُ تُغَيِّرُ لَوْنًا بَعْدَ لَوْنٍ» وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: ﴿لَتَرْكَبُنَّ﴾ [الانشقاق: ١٩] بِالتَّاءِ، وَبِضَمِّ الْبَاءِ، عَلَى وَجْهِ الْخِطَابِ لِلنَّاسِ كَافَّةً، أَنَّهُمْ يَرْكَبُونَ أَحْوَالَ الشِّدَّةِ حَالًا بَعْدَ حَالٍ. وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ بِالْيَاءِ، وَبِضَمِّ الْبَاءِ، عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ عَنِ النَّاسِ كَافَّةً، أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ. وَأَوْلَى الْقِرَاءَاتِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ: قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ بِالتَّاءِ وَبِفَتْحِ الْبَاءِ، لِأَنَّ تَأْوِيلَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ مِنْ جَمِيعِهِمْ بِذَلِكَ وَرَدَ وَإِنْ كَانَ لِلْقِرَاءَاتِ الْأُخَرِ وُجُوهٌ مَفْهُومَةٌ. وَإِذَا كَانَ الصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا، فَالصَّوَابُ مِنَ التَّأْوِيلِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: (لَتَرْكَبَنَّ) أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ حَالًا بَعْدَ حَالٍ، وَأَمْرًا بَعْدَ أَمْرٍ مِنَ الشَّدَائِدِ. وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْخِطَابُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَجَّهًا، جَمِيعُ النَّاسِ، أَنَّهُمْ يَلْقَوْنَ مِنْ شَدَائِدِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَهْوَالِهِ أَحْوَالًا. وَإِنَّمَا قُلْنَا: عُنِيَ بِذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا، أَنَّ الْكَلَامَ قَبْلَ قَوْلِهِ: ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ﴾ [الانشقاق: ١٩] جَرَى بِخِطَابِ الْجَمِيعِ، وَكَذَلِكَ بَعْدَهُ، فَكَانَ أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ نَظِيرَ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ. وَقَوْلُهُ: ﴿طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ﴾ [الانشقاق: ١٩] مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: وَقَعَ فُلَانٌ فِي بَنَاتِ طَبَقٍ: إِذَا وَقَعَ فِي أَمْرٍ شَدِيدٍ
وَقَوْلُهُ: ﴿فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الانشقاق: ٢٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَمَا لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ لَا -[٢٥٧]- يُصَدِّقُونَ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ، وَلَا يُقِرُّونَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَقَدْ أَقْسَمَ لَهُمْ رَبُّهُمْ بِأَنَّهُمْ رَاكِبُونَ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ، مَعَ مَا قَدْ عَايَنُوا مِنْ حُجَجِهِ بِحَقِيقَةِ تَوْحِيدِهِ


الصفحة التالية
Icon