وَقَوْلُهُ: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ﴾ [البروج: ١٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ جَاءَكَ يَا مُحَمَّدُ حَدِيثُ الْجُنُودِ، الَّذِينَ تَجَنَّدُوا عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِأَذَاهُمْ وَمَكْرُوهِهِمْ؛ يَقُولُ: قَدْ أَتَاكَ ذَلِكَ وَعَلِمْتَهُ، فَاصْبِرْ لِأَذَى قَوْمِكَ إِيَّاكَ، لِمَا نَالُوكَ بِهِ مِنْ مَكْرُوهٍ، كَمَا صَبَرَ الَّذِينَ تَجَنَّدَ هَؤُلَاءِ الْجُنُودُ عَلَيْهِمْ مِنْ رُسُلِي، وَلَا يُثْنِيكَ عَنْ تَبْلِيغِهِمْ رِسَالَتِي، كَمَا لَمْ يُثْنِ الَّذِينَ أُرْسِلُوا إِلَى هَؤُلَاءِ، فَإِنَّ عَاقِبَةَ مَنْ لَمْ يُصَدِّقْكَ وَيُؤْمَنْ بِكَ مِنْهُمْ إِلَى عَطَبٍ وَهَلَاكٍ، كَالَّذِي كَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْجُنُودِ، ثُمَّ بَيَّنَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنِ الْجُنُودِ مَنْ هُمْ؟ فَقَالَ: ﴿فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ﴾ [البروج: ١٨] يَقُولُ: فِرْعَوْنُ، فَاجْتُزِئَ بِذِكْرِهِ، إِذْ كَانَ رَئِيسَ جُنْدِهِ، مِنْ ذِكْرِ جُنْدِهِ وَتُبَّاعِهِ. وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ وَثَمُودَ؛ وَخَفَضَ فِرْعَوْنَ رَدًّا عَلَى الْجُنُودِ، عَلَى التَّرْجَمَةِ عَنْهُمْ، وَإِنَّمَا فُتِحَ لِأَنَّهُ لَا يُجْرَى وَثَمُودُ
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾ [البروج: ٢٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا بِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِوَعِيدِ اللَّهِ، أَنَّهُمْ لَمْ يَأْتِهِمْ أَنْبَاءُ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ رُسُلَ اللَّهِ، كَفِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، وَثَمُودَ وَأَشْكَالِهِمْ، وَمَا أَحَلَّ اللَّهُ بِهِمْ مِنَ النِّقَمِ، بِتَكْذِيبِهِمُ الرُّسُلَ، وَلَكِنَّهُمْ فِي تَكْذِيبٍ بِوَحْيِ اللَّهِ وَتَنْزِيلِهِ، إِيثَارًا مِنْهُمْ لِأَهْوَائِهِمْ، وَاتِّبَاعًا مِنْهُمْ لَسُنَنِ آبَائِهِمْ. ﴿وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ﴾ [البروج: ٢٠] بِأَعْمَالِهِمْ، مُحْصٍ لَهَا، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ، وَهُوَ مُجَازِيهِمْ عَلَى جَمِيعِهَا


الصفحة التالية
Icon