وَقَوْلُهُ: ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى﴾ [الأعلى: ٢] يَقُولُ: الَّذِي خَلَقَ الْأَشْيَاءَ فَسَوَّى خَلْقَهَا وَعَدَّلَهَا؛ ﴿وَالتَّسْوِيَةُ: التَّعْدِيلُ﴾ ١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾ [الأعلى: ٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِي قَدَّرَ خَلْقَهُ فَهَدَى. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي عُنِيَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَهَدَى﴾ [البقرة: ٢١٣]، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَدَى الْإِنْسَانَ لِسَبِيلِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَالْبَهَائِمَ لِلْمَرَاتِعِ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: " ﴿قَدَّرَ فَهَدَى﴾ [الأعلى: ٣] قَالَ: هَدَى الْإِنْسَانَ لِلشِّقْوَةِ وَالسَّعَادَةِ، وَهَدَى الْأَنْعَامَ -[٣١٢]- لِمَرَاتِعِهَا " وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: هَدَى الذُّكُورَ لِمَأْتَى الْإِنَاثِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ بِذَلِكَ فِيمَا مَضَى. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا: أَنَّ اللَّهَ عَمَّ بِقَوْلِهِ ﴿فَهَدَى﴾ [الأعلى: ٣] الْخَبَرَ عَنْ هِدَايَتِهِ خَلْقَهُ، وَلَمْ يُخَصِّصْ مِنْ ذَلِكَ مَعْنًى دُونَ مَعْنًى، وَقَدْ هَدَاهُمْ لِسَبِيلِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَهَدَى الذُّكُورَ لِمَأْتَى الْإِنَاثِ، فَالْخَبَرُ عَلَى عُمُومِهِ، حَتَّى يَأْتِيَ خَبَرٌ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، دَالٌّ عَلَى خُصُوصِهِ. وَاجْتَمَعَتْ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى تَشْدِيدِ الدَّالِ مِنْ قَدَّرَ، غَيْرَ الْكِسَائِيِّ فَإِنَّهُ خَفَّفَهَا. وَالصَّوَابُ فِي ذَلِكَ التَّشْدِيدُ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ