وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى النِّسْيَانِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: التَّرْكُ؛ وَقَالُوا: مَعْنَى الْكَلَامِ: سَنُقْرِئُكَ يَا مُحَمَّدُ فَلَا تَتْرُكِ الْعَمَلَ بِشَيْءٍ مِنْهُ، إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَتْرُكَ الْعَمَلَ بِهِ، مِمَّا نَنْسَخُهُ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ فِي ذَلِكَ: لَمْ يَشَأِ اللَّهُ أَنْ تَنْسَى شَيْئًا، وَهُوَ كَقَوْلِهِ: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ وَلَا يَشَاءُ. قَالَ: وَأَنْتَ قَائِلٌ فِي الْكَلَامِ: لَأُعْطِيَنَّكَ كُلَّ مَا سَأَلْتَ إِلَّا مَا شِئْتَ، وَإِلَّا أَنْ أَشَاءَ أَنْ أَمْنَعَكَ، وَالنِّيَّةُ أَنْ لَا تَمْنَعَهُ، وَلَا تَشَاءَ شَيْئًا. قَالَ: وَعَلَى هَذَا مَجَارِي الْأَيْمَانُ، يُسْتَثْنَى فِيهَا، وَنِيَّةُ الْحَالِفِ: اللِّمَامُ. وَالْقَوْلُ الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ عِنْدِي، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَلَا تَنْسَى إِلَّا أَنْ نَشَاءَ نَحْنُ أَنْ نُنْسِيَكَهُ بِنَسْخِهِ وَرَفْعِهِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَظْهَرُ مَعَانِيهِ
وَقَوْلُهُ ﴿إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى﴾ [الأعلى: ٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ الْجَهْرَ يَا مُحَمَّدُ مِنْ عَمَلِكَ، مَا أَظْهَرْتَهُ وَأَعْلَنْتَهُ ﴿وَمَا يَخْفَى﴾ [إبراهيم: ٣٨] يَقُولُ: وَمَا يَخْفَى مِنْهُ فَلَمْ تُظْهِرْهُ، مِمَّا كَتَمْتَهُ، يَقُولُ: هُوَ يَعْلَمُ جَمِيعَ أَعْمَالِكَ، سِرَّهَا وَعَلَانِيَتَهَا؛ يَقُولُ: فَاحْذَرْهُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْكَ وَأَنْتَ عَامِلٌ فِي حَالٍ مِنْ أَحْوَالِكَ بِغَيْرِ الَّذِي أَذِنَ لَكَ بِهِ
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى -[٣١٧]- سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَنُسَهِّلُكَ يَا مُحَمَّدُ لِعَمَلِ الْخَيْرِ، وَهُوَ الْيُسْرَى؛ وَالْيُسْرَى: هُوَ الْفُعْلَى مِنَ الْيُسْرِ


الصفحة التالية
Icon