وَقَوْلُهُ: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ [الأعلى: ١٦] يَقُولُ لِلنَّاسِ: بَلْ تُؤْثِرُونَ أَيُّهَا النَّاسُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَبْقَى يَقُولُ: وَزِينَةُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَأَبْقَى بَقَاءً، لِأَنَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَانِيَةٌ، وَالْآخِرَةَ بَاقِيَةٌ، لَا تَنْفَدُ وَلَا تَفْنَى. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، " ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ [الأعلى: ١٦] فَاخْتَارَ النَّاسُ الْعَاجِلَةَ إِلَّا مَنْ عَصَمَ اللَّهُ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ﴾ [النساء: ٧٧] فِي الْخَيْرِ ﴿وَأَبْقَى﴾ [الأعلى: ١٧] فِي الْبَقَاءِ "
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا أَبُو حَمْزَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَرْفَجَةَ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: اسْتَقْرَأْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى فَلَمَّا بَلَغَ: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ [الأعلى: ١٦] تَرَكَ الْقِرَاءَةَ، وَأَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَقَالَ: آثَرْنَا الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ، فَسَكَتَ الْقَوْمُ، فَقَالَ: آثَرْنَا الدُّنْيَا لَأَنَّا رَأَيْنَا زِينَتَهَا وَنِسَاءَهَا وَطَعَامَهَا وَشَرَابَهَا، وَزُوِيَتْ عَنَّا الْآخِرَةُ، فَاخْتَرْنَا هَذَا الْعَاجِلَ، وَتَرَكْنَا الْآجِلَ " وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ [الأعلى: ١٦] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ -[٣٢٣]- قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ﴾ [الأعلى: ١٦] بِالتَّاءِ، إِلَّا أَبَا عَمْرٍو، فَإِنَّهُ قَرَأَهُ بِالْيَاءِ، وَقَالَ: يَعْنِي الْأَشْقِيَاءَ. وَالَّذِي لَا أُوثِرُ عَلَيْهِ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ التَّاءُ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ. وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ: «بَلْ أَنْتُمْ تُؤْثِرُونَ» فَذَلِكَ أَيْضًا شَاهِدٌ لِصِحَّةِ الْقِرَاءَةِ بِالتَّاءِ