وَقَوْلُهُ: ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [الليل: ١٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَسَنُهَيِّئُهُ فِي الدُّنْيَا لِلْخَلَّةِ الْعُسْرَى، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: قَدْ يَسَّرَتْ غَنَمُ فُلَانٍ: إِذَا وَلَدَتْ وَتَهَيَّأَتْ لِلْوِلَادَةِ، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل]

هُمَا سَيِّدَانَا يَزْعُمَانِ وَإِنَّمَا يَسُودَانِنَا أَنْ يَسَّرَتْ غَنَمَاهُمَا
وَقِيلَ: ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [الليل: ١٠] وَلَا تَيَسُّرَ فِي الْعُسْرَى لِلَّذِي تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ [الليل: ٧] وَإِذَا جُمِعَ بَيْنَ كَلَامَيْنِ أَحَدُهُمَا ذِكْرُ الْخَيْرِ وَالْآخَرُ ذِكْرُ الشَّرِّ، جَازَ ذَلِكَ بِالتَّيْسِيرِ فِيهِمَا جَمِيعًا؛ وَالْعُسْرَى الَّتِي أَخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ يُيَسِّرُهُ لَهَا: الْعَمَلُ بِمَا يَكْرَهُهُ وَلَا يَرْضَاهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ جَاءَ الْأَثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ذِكْرُ الْخَبَرِ بِذَلِكَ
حَدَّثَنِي وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: ثنا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَكَتَ الْأَرْضَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: «مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ -[٤٧٠]- مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ». قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نَتَّكِلُ؟ قَالَ: «لَا، اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ» ثُمَّ قَرَأَ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [الليل: ٦]


الصفحة التالية
Icon