وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى﴾ [الليل: ١٣] يَقُولُ: وَإِنَّ لَنَا مُلْكَ مَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، نُعْطِي مِنْهُمَا مَنْ أَرَدْنَا مِنْ خَلْقِنَا، وَنَحْرِمُهُ مَنْ شِئْنَا وَإِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ يُوَفِّقُ لِطَاعَتِهِ مَنْ أَحَبَّ مِنْ خَلْقِهِ، فَيُكْرِمُهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا، وَيُهَيِّئُ لَهُ الْكَرَامَةَ وَالثَّوَابَ فِي الْآخِرَةِ، وَيَخْذُلُ مَنْ يَشَاءُ خُذْلَانَهُ مِنْ خَلْقِهِ عَنْ طَاعَتِهِ، فَيُهِينُهُ بِمَعْصِيَتِهِ فِي الدُّنْيَا، وَيُخْزِيهِ بِعُقُوبَتِهِ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ
ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى﴾ [الليل: ١٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَنْذَرْتُكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ نَارًا تَتَوَهَّجُ، وَهِيَ نَارُ جَهَنَّمَ، يَقُولُ: احْذَرُوا أَنْ تَعْصُوا رَبَّكُمْ فِي الدُّنْيَا، وَتَكْفُرُوا بِهِ، فَتَصْلَوْنَهَا فِي الْآخِرَةِ. وَقِيلَ: تَلَظَّى، وَإِنَّمَا هِيَ تَتَلَظَّى، وَهِيَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُسْتَقْبِلٌ، وَلَوْ كَانَ فِعْلًا مَاضِيًا لَقِيلَ: فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّتْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿نَارًا تَلَظَّى﴾ [الليل: ١٤] قَالَ: تَوَهَّجُ
وَقَوْلُهُ: ﴿لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى﴾ [الليل: ١٥] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: لَا يَدْخُلُهَا فَيَصْلَى -[٤٧٧]- بِسَعِيرِهَا إِلَّا الْأَشْقَى ﴿الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾ [الليل: ١٦] يَقُولُ: الَّذِي كَذَّبَ بِآيَاتِ رَبِّهِ، وَأَعْرَضَ عَنْهَا، وَلَمْ يُصَدِّقْ بِهَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ