وَقَوْلُهُ: ﴿وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى﴾ [الليل: ١٧] يَقُولُ: وَسَيُوَقَّى صِلِيَّ النَّارِ الَّتِي تَلَظَّى التَّقِيُّ، وَوُضِعَ أَفْعَلُ مَوْضِعَ فَعِيلٍ، كَمَا قَالَ طَرَفَةُ:
[البحر الطويل]
تَمَنَّى رِجَالٌ أَنْ أَمُوتَ وَإِنْ أَمُتْ | فَتِلْكَ سَبِيلٌ لَسْتُ فِيهَا بِأَوْحَدِ |
وَقَوْلُهُ: ﴿الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى﴾ [الليل: ١٨] يَقُولُ: الَّذِي يُعْطِي مَالَهُ فِي الدُّنْيَا فِي حُقُوقِ اللَّهِ الَّتِي أَلْزَمَهُ إِيَّاهَا ﴿يَتَزَكَّى﴾ [فاطر: ١٨] يَعْنِي: يَتَطَهَّرُ بِإِعْطَائِهِ ذَلِكَ مِنْ ذُنُوبِهِ
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى﴾ [الليل: ٢٠] كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يُوَجِّهُ تَأْوِيلَ ذَلِكَ إِلَى: وَمَا لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عِنْدَ هَذَا الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَتَزَكَّى ﴿مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى﴾ [الليل: ١٩] يَعْنِي: مِنْ يَدٍ يُكَافِئُهُ عَلَيْهَا، يَقُولُ: لَيْسَ يُنْفِقُ مَا يُنْفِقُ مِنْ ذَلِكَ، وَيُعْطِي مَا يُعْطِي، مُجَازَاةَ إِنْسَانٍ يُجَازِيهِ عَلَى يَدٍ لَهُ عِنْدَهُ، وَلَا مُكَافَأَةً لَهُ عَلَى نِعْمَةٍ سَلَفَتْ مِنْهُ إِلَيْهِ، أَنْعَمَهَا عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يُؤْتِيهِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ. قَالَ: وَإِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَعْنَى لَكِنْ؛ وَقَالَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ فِي الْمُكَافَأَةِ مُسْتَقْبِلًا، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: وَلَمْ يُرِدْ بِمَا أَنْفَقَ مُكَافَأَةً مِنْ أَحَدٍ، وَيَكُونُ مَوْقِعُ اللَّامِ الَّتِي فِي أَحَدٍ فِي الْهَاءِ الَّتِي خَفَضَتْهَا عِنْدَهُ، فَكَأَنَّكَ قُلْتُ: وَمَا لَهُ عِنْدَ أَحَدٍ فِيمَا أَنْفَقَ مِنْ نِعْمَةٍ يَلْتَمِسُ ثَوَابَهَا، قَالَ: وَقَدْ تَضَعُ الْعَرَبُ الْحَرْفَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ إِذَا كَانَ مَعْرُوفًا، وَاسْتَشْهَدُوا لِذَلِكَ بِبَيْتِ النَّابِغَةِ:
[البحر الطويل]وَقَدْ خِفْتُ حَتَّى مَا تَزِيدُ مَخَافَتِي | عَلَى وَعِلٍ فِي ذِي الْمَطَارَةِ عَاقِلِ |
الصفحة التالية