ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي ابْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ شَبِيبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿أَوْحَى لَهَا﴾ [الزلزلة: ٥] قَالَ: أَوْحَى إِلَيْهَا
وَقَوْلُهُ: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا﴾ [الزلزلة: ٦] قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ التَّأْخِيرُ بَعْدُ ﴿لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ﴾ [الزلزلة: ٦] قَالُوا: وَوَجْهُ الْكَلَامِ: ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا، بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا﴾ [الزلزلة: ٥] ﴿لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ﴾ [الزلزلة: ٦]، ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا﴾ [الزلزلة: ٦]. قَالُوا: وَلَكِنَّهُ اعْتَرَضَ بَيْنَ ذَلِكَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا﴾ [الزلزلة: ٦] عَنْ مَوْقِفِ الْحِسَابِ فِرَقًا مُتَفَرِّقِينَ، فَآخِذٌ ذَاتَ الْيَمِينِ إِلَى الْجَنَّةِ، وَآخِذٌ ذَاتَ الشِّمَالِ إِلَى النَّارِ
وَقَوْلُهُ: ﴿لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ﴾ [الزلزلة: ٦] يَقُولُ: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا﴾ [الزلزلة: ٦] مُتَفَرِّقِينَ، عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ، ﴿لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ﴾ [الزلزلة: ٦]، فَيَرَى الْمُحْسِنُ فِي الدُّنْيَا، الْمُطِيعُ لِلَّهِ عَمَلَهُ وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْكَرَامَةِ، عَلَى طَاعَتِهِ إِيَّاهُ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا، وَيَرَى الْمُسِيءُ الْعَاصِي لِلَّهِ عَمَلَهُ. وَجَزَاءَ عَمَلِهِ، وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْهَوَانِ وَالْخِزْيِ فِي جَهَنَّمَ، عَلَى مَعْصِيَتِهِ إِيَّاهُ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا، وَكُفْرِهِ بِهِ
وَقَوْلُهُ: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: ٧] يَقُولُ: فَمَنْ عَمِلَ فِي الدُّنْيَا وَزْنَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ، يَرَى ثَوَابَهُ هُنَالِكَ
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: ٨] يَقُولُ: وَمَنْ كَانَ عَمِلَ فِي الدُّنْيَا وَزْنَ ذَرَّةٍ مِنْ شَرٍّ يَرَى جَزَاءَهُ هُنَالِكَ، وَقِيلَ: وَمَنْ يَعْمَلْ، وَالْخَبَرُ عَنْهَا فِي الْآخِرَةِ، لِفَهْمِ السَّامِعِ -[٥٦٣]- مَعْنَى ذَلِكَ، لَمَا قَدْ تَقَدَّمَ مِنَ الدَّلِيلِ قَبْلُ، عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ: فَمَنْ عَمِلَ؛ ذَلِكَ دَلَالَةَ قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ﴾ [الزلزلة: ٦] عَلَى ذَلِكَ. وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ مَفْهُومًا مَعْنَى الْكَلَامِ عِنْدَ السَّامِعِينَ. وَكَانَ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَعْمَلْ﴾ [النساء: ١١٠] حَثٌّ لِأَهْلِ الدُّنْيَا عَلَى الْعَمَلِ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَالزَّجْرِ عَنْ مَعَاصِيهِ، مَعَ الَّذِي ذَكَرْتُ مِنْ دَلَالَةِ الْكَلَامِ قَبْلَ ذَلِكَ، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مُرَادٌ بِهِ الْخَبَرُ عَنْ مَاضِي فِعْلِهِ، وَمَا لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، أَخْرَجَ الْخَبَرَ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ عَنْ مُسْتَقْبَلِ الْفِعْلِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا مِنْ أَنَّ جَمِيعَهُمْ يَرَوْنَ أَعْمَالَهُمْ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ