وَالْحِجَازِ، سِوَى أَبِي جَعْفَرٍ وَعَامَّةُ قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ، وَمِنْ الْكُوفَةِ عَاصِمٌ، ﴿جَمَعَ﴾ [الهمزة: ٢] بِالتَّخْفِيفِ، وَكُلُّهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى تَشْدِيدِ الدَّالِّ مِنْ ﴿عَدَّدَهُ﴾ [الهمزة: ٢] عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْتُ مِنْ تَأْوِيلِهِ. وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ بِإِسْنَادٍ غَيْرِ ثَابِتٍ، أَنَّهُ قَرَأَهُ: «جَمَعَ مَالًا وَعَدَدَهُ» تَخْفِيفُ الدَّالِّ، بِمَعْنَى: جَمَعَ مَالًا، وَجَمَعَ عَشِيرَتَهُ وَعَدَّدَهُ. هَذِهِ قِرَاءَةٌ لَا أَسْتَجِيزُ الْقِرَاءَةَ بِهَا، بِخِلَافِهَا قِرَاءَةُ الْأَمْصَارِ، وَخُرُوجِهَا عَمَّا عَلَيْهِ الْحُجَّةُ مُجْمِعَةٌ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿جَمَعَ مَالًا﴾ [الهمزة: ٢] فَإِنَّ التَّشْدِيدَ وَالتَّخْفِيفَ فِيهِمَا صَوَابَانِ، لِأَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي قَرَأَةِ الْأَمْصَارِ، مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ
وَقَوْلُهُ: ﴿يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ﴾ [الهمزة: ٣] يَقُولُ: يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ الَّذِي جَمَعَهُ وَأَحْصَاهُ، وَبَخِلَ بِإِنْفَاقِهِ، مُخْلِدُهُ فِي الدُّنْيَا، فَمُزِيلٌ عَنْهُ الْمَوْتَ. وَقِيلَ: أَخْلَدَهُ، وَالْمَعْنَى: يُخْلِدُهُ، كَمَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ الَّذِي يَأْتِي الْأَمْرَ الَّذِي يَكُونُ سَبَبًا لِهَلَاكِهِ: عَطِبَ وَاللَّهِ فُلَانٌ، هَلَكَ وَاللَّهِ فُلَانٌ، بِمَعْنَى: أَنَّهُ يَعْطَبُ مِنْ فِعْلِهِ ذَلِكَ، وَلَمَّا يَهْلِكْ بَعْدُ وَلَمْ يَعْطَبْ؛ وَكَالرَّجُلِ يَأْتِي الْمُوبِقَةَ مِنَ الذُّنُوبِ: دَخَلَ وَاللَّهِ فُلَانٌ النَّارَ
وَقَوْلُهُ: ﴿كَلَّا﴾ [النساء: ١٣٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا ذَلِكَ كَمَا ظَنَّ، لَيْسَ مَالُهُ مُخْلِدَهُ، ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ هَالِكٌ وَمُعَذَّبٌ عَلَى أَفْعَالِهِ وَمَعَاصِيهِ، الَّتِي كَانَ يَأْتِيهَا فِي الدُّنْيَا، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ﴾ [الهمزة: ٤] يَقُولُ: لَيُقْذَفَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الْحُطَمَةِ، وَالْحُطَمَةُ: اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ النَّارِ، كَمَا قِيلَ لَهَا: جَهَنَّمُ وَسَقَرُ وَلَظًى، وَأَحْسَبُهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِحَطْمِهَا كُلَّ مَا أُلْقِيَ فِيهَا، كَمَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ الْأَكُولِ: الْحُطَمَةُ. -[٦٢٢]- وَذُكِرَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ: «لَيُنْبَذَانِّ فِي الْحُطَمَةِ» يَعْنِي: هَذَا الْهُمَزَةَ اللُّمَزَةَ وَمَالَهُ، فَثَنَّاهُ لِذَلِكَ