وَلَمْ يَقُلْ فَمَنْ خَافَ مِنْهُ جَنَفًا. فَإِنْ أَشْكَلَ مَا قُلْنَا مِنْ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ فَقَالَ: فَمَا وَجْهُ الْإِصْلَاحِ حِينَئِذٍ، وَالْإِصْلَاحُ إِنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَيْنِ فِي الشَّيْءِ؟ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ مَعَانِي الْإِصْلَاحِ، فَمَنِ الْإِصْلَاحِ الْإِصْلَاحُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ فِيمَا كَانَ مَخُوفًا حُدُوثُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمْ فِيهِ بِمَا يُؤْمَنُ مَعَهُ حُدُوثُ الِاخْتِلَافِ؛ لِأَنَّ الْإِصْلَاحَ إِنَّمَا هُوَ الْفِعْلُ الَّذِي يَكُونُ مَعَهُ إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيِّنِ، فَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ الَّذِي يَكُونُ مَعَهُ إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيِّنِ قَبْلَ وقُوعِ الِاخْتِلَافِ أَوْ بَعْدَ وُقُوعِهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَكَيْفَ قِيلَ: فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ، وَلَمْ يَجْرِ لِلْوَرَثَةِ وَلَا لِلْمُخْتَلِفِينَ أَوِ الْمَخُوفُ اخْتِلَافُهُمْ ذِكْرٌ؟ قِيلَ: بَلْ قَدْ جَرَى ذِكْرُ اللَّهِ الَّذِينَ أَمَرَ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِالْوَصِيَّةِ لَهُمْ، وَهُمْ وَالِدَا الْمُوصِي وَأَقْرَبُوهُ وَالَّذِينَ أُمِرُوا بِالْوَصِيَّةِ فِي قَوْلِهِ: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: ١٨٠] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصِ﴾ [البقرة: ١٨٢] لِمَنْ أَمَرْتُهُ بِالْوَصِيَّةِ لَهُ ﴿جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ﴾ [البقرة: ١٨٢] وَبَيْنَ مَنْ أَمَرْتُهُ بِالْوَصِيَّةِ لَهُ، ﴿فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ١٧٣] وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ هُوَ إِصْلَاحٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ وَرَثَةِ الْمُوصِي. وَقَدْ قُرِئَ قَوْلُهُ: ﴿فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصِ﴾ [البقرة: ١٨٢] بِالتَّخْفِيفِ فِي الصَّادِ وَالتَّسْكِينِ فِي الْوَاوِ وَبِتَحْرِيكِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الصَّادِ،


الصفحة التالية
Icon