وَقَالَ آخَرُونَ: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: ١٨٥] يَعْنِي فَمَنْ شَهِدَهُ عَاقِلًا بَالِغًا مُكَلَّفًا فَلْيَصُمْهُ. وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ، كَانُوا يَقُولُونَ: مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ شَهْرُ رَمَضَانَ وَهُوَ صَحِيحٌ عَاقِلٌ بَالِغٌ فَعَلَيْهِ صَوْمُهُ، فَإِنْ جَنَّ بَعْدَ دُخُولِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَصَفْنَا، ثُمَّ أَفَاقَ بَعْدَ انْقِضَائِهِ لَزِمَهُ قَضَاءُ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ أَيَّامِ الشَّهْرِ مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ شَهِدَهُ وَهُوَ مِمَّنْ عَلَيْهِ فُرِضَ قَالُوا: وَكَذَلِكَ لَوْ دَخَلَ عَلَيْهِ شَهْرُ رَمَضَانَ وَهُوَ مَجْنُونٌ إِلَّا أَنَّهُ مِمَّنْ لَوْ كَانَ صَحِيحَ الْعَقْلِ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمُهُ، فَلَنْ يَنْقَضِيَ الشَّهْرُ حَتَّى صَحَّ وَبَرَأَ أَوْ أَفَاقَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الشَّهْرِ بِيَوْمٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ صَوْمِ الشَّهْرِ كُلِّهِ سِوَى الْيَوْمِ الَّذِي صَامَهُ بَعْدَ إِفَاقَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّنْ قَدْ شَهِدَ الشَّهْرَ قَالُوا: وَلَوْ دَخَلَ عَلَيْهِ شَهْرُ رَمَضَانَ وَهُوَ مَجْنُونٌ فَلَمْ يُفِقْ حَتَّى انْقَضَى الشَّهْرُ كُلُّهُ ثُمَّ أَفَاقَ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ شَيْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ شَهِدَهُ مُكَلَّفًا صَوْمُهُ، وَهَذَا تَأْوِيلٌ لَا مَعْنَى لَهُ، لِأَنَّ الْجُنُونَ إِنْ كَانَ يَسْقُطُ عَمَّنْ كَانَ بِهِ فَرْضُ الصَّوْمِ مِنْ أَجْلِ فَقْدِ صَاحِبِهِ عَقْلَهُ جَمِيعَ الشَّهْرِ فَقَدْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ سَبِيلَ كُلِّ مَنْ فَقَدَ عَقْلَهُ جَمِيعَ شَهْرِ الصَّوْمِ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ مَنْ فَقَدَ عَقْلَهُ جَمِيعَ شَهْرِ الصَّوْمِ بِإِغْمَاءٍ أَوْ بِرْسَامٍ، ثُمَّ أَفَاقَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الشَّهْرِ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ الشَّهْرِ كُلِّهِ