يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإِنِ انْتَهَوْا﴾ [البقرة: ١٩٢] فَإِنِ انْتَهَى الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ عَنْ قِتَالِكُمْ، وَدَخَلُوا فِي مِلَّتِكُمْ، وَأَقَرُّوا بِمَا أَلَزَمَكُمُ اللَّهُ مِنْ فَرَائِضِهِ، وَتَرَكُوا مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ عُبَادَةِ الْأَوْثَانِ، فَدَعُوا الِاعْتِدَاءَ عَلَيْهِمْ، وَقِتَالَهُمْ، وَجِهَادَهُمْ، فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَدَى إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ، وَالَّذِينَ تَرَكُوا عِبَادَتَهُ وعَبَدُوا غَيْرَ خَالِقِهِمْ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَهَلْ يَجُوزُ الِاعْتِدَاءُ عَلَى الظَّالِمِ فَيُقَالُ: ﴿فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ١٩٣] قِيلَ: إِنَّ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ غَيْرُ الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبْتَ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمُجَازَاةِ لِمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الِاعْتِدَاءِ، يَقُولُ: افْعَلُوا بِهِمْ مِثْلَ الَّذِي فَعَلُوا بِكُمْ، كَمَا يُقَالُ: إِنْ تَعَاطَيْتَ مِنِّي ظُلْمًا تَعَاطَيْتَهُ مِنْكَ، وَالثَّانِي لَيْسَ بِظُلْمٍ، كَمَا قَالَ عَمْرُو بْنُ شَأْسٍ الْأَسَدِيُّ.
[البحر الطويل]

جَزَيْنَا ذَوِي الْعُدْوَانِ بِالْأَمْسِ قَرْضَهُمْ قِصَاصًا سَوَاءً حَذْوَكَ النَّعْلَ بِالنَّعْلِ
وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ نَظِيرَ قَوْلِهِ: ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ [البقرة: ١٥] وَ ﴿فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ﴾ [التوبة: ٧٩] وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ ذَلِكَ ونَظَائِرَهُ فِيمَا مَضَى قَبْلُ. وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّأْوِيلِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ -[٣٠٣]- قَتَادَةَ، قَوْلِهِ " ﴿فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ١٩٣] وَالظَّالِمُ الَّذِي أَبَى أَنْ يَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ "


الصفحة التالية
Icon