وَأَمَّا أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَالْعُمْرَةُ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦] عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ نَصْبًا فَقَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ مِنْ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ، وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ إِلَى الْبَيْتِ بَعْدَ إِيجَابِكُمْ إِيَّاهُمَا لَا أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِابْتِدَاءِ عَمَلِهِمَا، وَالدُّخُولُ فِيهِمَا، وَأَدَاءُ عَمَلِهِمَا بِتَمَامِهِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْآيَةَ مُحْتَمِلَةٌ لِلْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْنَا مِنْ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِإِقَامَتِهِمَا ابْتِدَاءً، وَإِيجَابًا مِنْهُ عَلَى الْعِبَادِ فَرْضُهُمَا، وَأَنْ يَكُونَ أَمْرًا مِنْهُ بِإِتَمَامِهِمَا بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِمَا، وَبَعْدَ إِيجَابِ مُوجِبِهِمَا عَلَى نَفْسِهِ، فَإِذَا كَانَتِ الْآيَةُ مُحْتَمِلَةً لِلْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْنَا، فَلَا حُجَّةَ فِيهَا لِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، إِلَّا وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ فِيهَا مِثْلُهَا. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ بِإِيجَابِ فَرْضِ الْعُمْرَةِ خَبَرٌ عَنِ الْحِجَّةِ لِلْعُذْرِ قَاطِعًا، وَكَانَتِ الْأُمَّةُ فِي وُجُوبِهَا مُتَنَازِعَةً، لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِ قَائِلٍ هِيَ فَرْضٌ بِغَيْرِ بُرْهَانٍ دَالٍ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ مَعْنًى، إِذْ كَانَتِ الْفُرُوضُ لَا تَلْزَمُ الْعِبَادَ الَّا بِدَلَالَةٍ عَلَى لُزُومِهَا إِيَّاهُمْ وَاضِحَةً. فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وُجُوبَ الْحَجِّ، وَأَنَّ تَأْوِيلَ مَنْ تَأَوَّلَ قَوْلَهُ: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦] بِمَعْنَى: أَقِيمُوا حُدُودَهُمَا وَفُرُوضَهُمَا أَوْلَى مِنْ تَأْوِيلِنَا
بِمَا حَدَّثَنِي بِهِ، حَاتِمُ بْنُ بَكْرٍ الضَّبِّيُّ، قَالَ: ثنا أَشْهَلُ بْنُ حَاتِمٍ الْأَرْطَبَائِيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ زَمِيلٍ لَهُ، عَنْ أَبِيهِ، وَكَانَ أَبُوهُ يُكَنَّى أَبَا الْمُنْتَفِقِ، قَالَ " أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ، حَتَّى اخْتَلَفَتْ عُنُقُ رَاحِلَتِي -[٣٣٩]- وَعُنُقُ رَاحِلَتِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْبِئْنِي بِعَمَلٍ يُنْجِينِي مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَيُدْخِلُنِي جَنَّتَهُ قَالَ: «اعْبُدِ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَأَقِمِ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَأَدِّ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَحُجَّ وَاعْتَمِرْ» قَالَ أَشْهَلُ، وَأَظُنُّهُ قَالَ: «وَصُمْ رَمَضَانَ، وَانْظُرْ مَاذَا تُحِبُّ مِنَ النَّاسِ أَنْ يَأْتُوهُ إِلَيْكَ فَافْعَلْهُ بِهِمْ، وَمَا تَكْرَهُ مِنَ النَّاسِ أَنْ يَأْتُوهُ إِلَيْكَ فَذَرْهُمْ مِنْهُ»


الصفحة التالية
Icon