حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ الْقَنَّادُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «إِذَا أُحْصِرَ الرَّجُلُ بَعَثَ بِهَدْيِهِ إِذَا كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَصِلَ إِلَى الْبَيْتِ مِنَ الْعَدُوِّ، فَإِنْ وَجَدَ مِنْ يُبْلِغُهَا عَنْهُ إِلَى مَكَّةَ، فَإِنَّهُ يَبْعَثُ بِهَا مَكَانَهُ، وَيُوَاعِدُ صَاحِبَ الْهَدْيِ. فَإِذَا أَمِنَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ، وَيَعْتَمِرَ. فَإِنْ أَصَابَهُ مَرَضٌ يَحْبِسُهُ وَلَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ حَيْثُ يُحْبَسُ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلَا يَحِلُّ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ إِذَا بَعَثَ بِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ قَابِلًا، وَلَا يَعْتَمِرَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ» وَعِلَّةُ مَنْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ، أَنَّ مَحِلَّ الْهَدَايَا، وَالْبُدْنِ الْحَرَمُ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ذَكَرَ الْبُدْنَ، وَالْهَدَايَا فَقَالَ: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٣٣] فَجَعَلَ مَحِلِّهَا الْحَرَمَ، وَلَا مَحِلَّ لِلْهَدْيِ دُونَهُ قَالُوا: وَأَمَّا مَا ادَّعَاهُ الْمُحْتَجُّونَ بِنَحْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدَايَاهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ حِينَ صُدَّ عَنِ الْبَيْتِ؛ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْقَوْلِ الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهِ
وَذَلِكَ أَنَّ الْفَضْلَ بْنَ سَهْلٍ، حَدَّثَنِي قَالَ: ثنا مُخَوَّلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مَجْزَأَةَ بْنِ زَاهِرٍ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، -[٣٦٩]- عَنْ نَاجِيَةَ بْنِ جُنْدُبٍ الْأَسْلَمِيِّ، قَالَ: " أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صُدَّ عَنِ الْهَدْيِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْعَثْ مَعِي بِالْهَدْيِ فَلْنَنْحَرْهُ بِالْحَرَمِ قَالَ: «كَيْفَ تَصْنَعُ بِهِ» ؟ قُلْتُ: آخُذُ بِهِ أَوْدِيَةً فَلَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ. فَانْطَلَقْتُ بِهِ حَتَّى نَحَرْتُهُ بِالْحَرَمِ " قَالُوا: فَقَدْ بَيَّنَ هَذَا الْخَبَرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحَرَ هَدَايَاهُ فِي الْحَرَمِ، فَلَا حُجَّةَ لِمُحْتَجٍّ بِنَحْرِهِ بِالْحُدَيْبِيَةِ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ وَتَأْوِيلِهَا عَلَى غَيْرِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْنَا مِنْ قَوْلِ الْفَرِيقَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَهُمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. وَقَالُوا: إِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ عَنْ حَجَّكُمْ فَمُنِعْتُمْ مِنَ الْمُضِيِّ لِإِحْرَامِهِ لِعَائِقِ مَرَضٍ، أَوْ خَوْفِ عَدُوٍّ، وَأَدَاءِ اللَّازِمِ لَكُمْ وَحَجِّكُمْ حَتَّى فَاتَكُمُ الْوقُوفُ بِعَرَفَةَ، فَإِنَّ عَلَيْكُمْ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ لِمَا فَاتَكُمْ مِنْ حَجَّكُمْ مَعَ قَضَاءِ الْحَجِّ الَّذِي فَاتَكُمْ. فَقَالَ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ: لَيْسَ لِلْمُحْصَرِ فِي الْحَجِّ بِالْمَرَضِ، وَالْعِلَلِ غَيْرُهُ الْإِحْلَالُ إِلَّا بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ إِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ. قَالُوا: فَأَمَّا إِنْ أَطَاقَ شُهُودَ الْمَشَاهِدِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُحْصَرٍ. قَالُوا: وَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَلَا إِحْصَارَ فِيهَا، لِأَنَّ وَقْتَهَا مَوْجُودٌ أَبَدًا. قَالُوا: وَالْمُعْتَمِرُ لَا يُحِلُّ إِلَّا بِعَمَلٍ آخَرَ مَا يَلْزَمُهُ فِي إِحْرَامِهِ. قَالُوا: وَلَمْ يَدْخُلَ الْمُعْتَمِرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَإِنَّمَا عَنَى بِهَا الْحَاجَّ. -[٣٧٠]- ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا إِحْصَارَ الْيَوْمَ بِعَدُوٍّ كَمَا لَا إِحْصَارَ بِمَرَضٍ يَجُوزُ لِمَنْ فَاتَهُ أَنْ يُحِلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ قَبْلَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ


الصفحة التالية
Icon