بِالْمَحَلِّ الْمَنْحَرِ، أَوِ الْمَذْبَحِ، وَذَلِكَ حِينَ حَلَّ نَحْرُهُ، أَوْ ذَبْحُهُ فِي حَرَمٍ كَانَ أَوْ فِي حِلٍّ، وَأَلْزَمَهُ قَضَاءُ مَا حَلَّ مِنْهُ مِنْ إِحْرَامِهِ قَبْلَ إِتَمَامِهِ إِذَا وَجَدَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، وَذَلِكَ لِتَوَاتُرِ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صُدَّ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ عَنِ الْبَيْتِ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَأَصْحَابُهُ بِعُمْرَةٍ، فَنَحَرَ هُوَ، وَأَصْحَابُهُ بِأَمْرِهِ الْهَدْيَ، وَحَلُّوا مِنْ إِحْرَامِهِمْ قَبْلَ وُصُولِهِمْ إِلَى الْبَيْتِ، ثُمَّ قَضَوْا إِحْرَامَهُمُ الَّذِي حَلُّوا مِنْهُ فِي الْعَامِ الَّذِي بَعْدَهُ. وَلَمْ يَدَّعِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالسِّيَرِ وَلَا غَيْرِهِمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ أَقَامَ عَلَى إِحْرَامِهِ انْتِظَارًا لِلْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ وَالْإِحْلَالِ بِالطَّوَافِ بِهِ، وَبِالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ، وَلَا تَحَفَّى وصُولَ هَدْيِهِ إِلَى الْحَرَمِ. فَأَوْلَى الْأَفْعَالِ أَنْ يُقْتَدَى بِهِ، فِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ لَمْ يَأْتِ بِحَظْرِهِ خَبَرٌ، وَلَمْ تَقُمْ بِالْمَنْعِ مِنْهُ حُجَّةٌ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ أَهْلُ الْعِلْمِ مُخْتَلِفَيْنِ فِيمَا اخْتَرْنَا مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ، فَمِنْ مُتَأَوِّلٍ مَعْنَى الْآيَةِ تَأْوِيلَنَا، وَمِنْ مُخَالِفٍ ذَلِكَ، ثُمَّ كَانَ ثَابِتًا بِمَا قُلْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّقْلُ كَانَ الَّذِي نَقَلَ عَنْهُ أَوْلَى الْأُمُورِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، إِذْ كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لَا يَتَدَافَعُ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّهَا يَوْمَئِذٍ نَزَلَتْ وَفِي حُكْمِ صَدِّ الْمُشْرِكِينَ إِيَّاهُ عَنِ الْبَيْتِ أُوحِيَتْ. وَقَدْ رُوِيَ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ خَبَرٌ
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثني الْحَجَّاجُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، أَنَّ عِكْرِمَةَ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ حَدَّثَهُ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ كُسِرَ، أَوْ عُرِجَ فَقَدْ حَلَّ، وَعَلَيْهِ حُجَّةٌ أُخْرَى» قَالَ: فَحَدَّثْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ بِذَلِكَ، فَقَالَا: صَدَقَ -[٣٧٦]- حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا مَرْوَانُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ الصَّوَّافُ، وَحَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ بْنُ حَبِيبٍ، عَنِ الْحَجَّاجِ الصَّوَّافِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَمَعْنَى هَذَا الْخَبَرِ الْأَمْرُ بِقَضَاءِ الْحَجَّةِ الَّتِي حَلَّ مِنْهَا نَظِيرَ فِعْلَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَأَصْحَابُهُ فِي قَضَائِهِمْ عُمْرَتَهُمُ الَّتِي حَلُّوا مِنْهَا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ مِنَ الْقَابِلِ فِي عَامِ عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ. وَيُقَالُ لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ الَّذِي حَصَرَهُ عَدُوٌّ إِذَا حَلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ التَّطَوُّعِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَأَنَّ الْمُحْصَرَ بِالْعِلَلِ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ مَا الْعِلَّةُ الَّتِي أَوْجَبَتْ عَلَى أَحَدِهِمَا الْقَضَاءُ وَأَسْقَطَتْ عَنِ الْآخَرِ، وَكِلَاهُمَا قَدْ حَلَّ مِنْ إِحْرَامٍ كَانَ عَلَيْهِ إِتَمَامُهُ لَوْلَا الْعِلَّةُ الْعَائِقَةُ؟ فَإِنْ قَالَ: لِأَنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي الَّذِي حَصَرَهُ الْعَدُوُّ، فَلَا يَجُوزُ لَنَا نَقْلُ حُكْمِهَا إِلَى غَيْرِ مَا نَزَلَتْ فِيهِ قِيلَ لَهُ: قَدْ دَفَعَكَ عَنْ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، غَيْرَ أَنَّا نُسَلِّمُ لَكَ مَا قُلْتَ فِي ذَلِكَ، فَهَلَّا كَانَ حُكْمُ الْمَنْعِ بِالْمَرَضِ وَالْإِحْصَارِ لَهُ حُكْمُ الْمَنْعِ بِالْعَدُوِّ إِذْ هُمَا -[٣٧٧]- مُتَّفِقَانِ فِي الْمَنْعِ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ وَإِتْمَامِ عَمَلِ إِحْرَامِهِمَا، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَسْبَابُ مَنْعِهِمَا، فَكَانَ أَحَدُهُمَا مَمْنُوعًا بِعِلَّةٍ فِي بَدَنِهِ، وَالْآخَرُ بِمَنْعِ مَانِعٍ؟ ثُمَّ يَسْأَلُ الْفَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ أَصْلٍ أَوْ قِيَاسٍ، فَلَنْ يَقُولَ فِي أَحَدِهِمَا شَيْئًا إِلَّا أُلْزِمَ فِي الْآخَرِ مِثْلَهُ. وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: لَا إِحْصَارَ فِي الْعُمْرَةِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُمْ: قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا صُدَّ عَنِ الْبَيْتِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ بِالْعُمْرَةِ، فَحَلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ؟ فَمَا بُرْهَانُكُمْ عَلَى عَدَمِ الْإِحْصَارِ فِيهَا؟ أَوْ رَأَيْتُمْ إِنْ قَالَ قَائِلٌ: لَا إِحْصَارَ فِي حَجٍّ، وَإِنَّمَا فِيهِ فَوْتٌ، وَعَلَى الْفَائِتِ الْحَجُّ الْمُقَامُ عَلَى إِحْرَامِهِ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ، وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَنَّ فِي الْإِحْصَارِ فِي الْحَجِّ سُنَّةً؟ فَقَدْ قَالَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ. فَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَّ فِيهَا مَا سَنَّ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي حُكْمِهَا مَا بَيَّنَ مِنَ الْإِحْلَالِ وَالْقَضَاءِ الَّذِي فَعَلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفِيهَا الْإِحْصَارَ دُونَ الْحَجِّ هَلْ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ فَرْقٌ؟ ثُمَّ يَعْكِسُ عَلَيْهِ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ، فَلَنْ يَقُولَ فِي أَحَدِهِمَا شَيْئًا إِلَّا أُلْزِمَ فِي الْآخَرِ مِثْلَهُ