حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «الْفِدْيَةُ حَيْثُ شِئْتَ»
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، " فِي الْفِدْيَةِ فِي الصَّدَقَةِ، وَالصَّوْمِ، وَالدَّمِ: حَيْثُ شَاءَ " حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: مَا كَانَ مِنْ دَمِ نُسُكٍ فَبِمَكَّةَ، وَمَا كَانَ مِنْ إِطْعَامٍ، وَصِيَامٍ فَحَيْثُ شَاءَ الْمُفْتَدِي.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ، وَغَيْرُهُمَا، عَنْ عَطَاءٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «مَا كَانَ مِنْ دَمٍ فَبِمَكَّةَ، وَمَا كَانَ مِنْ طَعَامٍ، وَصِيَامٍ فَحَيْثُ شَاءَ» وَعِلَّةُ مَنْ قَالَ: الدَّمُ وَالْإِطْعَامُ بِمَكَّةَ، الْقِيَاسُ عَلَى هَدْيِ جَزَاءِ الصَّيْدِ ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ شَرَطَ فِي هَدْيِهِ بُلُوغَ الْكَعْبَةِ فَقَالَ: ﴿يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ﴾ [المائدة: ٩٥]، قَالُوا: فَكُلُّ هَدْيٍ وَجَبَ مِنْ جَزَاءٍ، أَوْ فِدْيَةٍ فِي إِحْرَامٍ، فَسَبِيلُهُ سَبِيلُ جَزَاءِ الصَّيْدِ فِي وُجُوبِ بُلُوغِهِ الْكَعْبَةَ. قَالُوا: وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ حُكْمُ -[٤٠٥]- الْهَدْيِ كَانَ حُكْمُ الصَّدَقَةِ مِثْلَهُ، لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِطْعَامَ فِدْيَةٌ، وَجَزَاءٌ كَالدَّمِ، فَحُكْمُهُمَا وَاحِدٌ. وَأَمَّا عِلَّةُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ لِلْمُفْتَدِيَ أَنْ يَنْسُكَ حَيْثُ شَاءَ وَيَتَصَدَّقَ وَيَصُومَ، أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَى الْحَالِقِ رَأْسَهُ مِنْ أَذًى هَدْيًا، وَإِنَّمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ نُسُكًا، أَوْ إِطْعَامًا، أَوْ صِيَامًا، وَحَيْثُمَا نَسَكَ، أَوْ أَطْعَمَ، أَوْ صَامَ فَهُوَ نَاسِكٌ، وَمُطْعِمٌ، وَصَائِمٌ، وَإِذَا دَخَلَ فِي عِدَادِ مَنْ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ الِاسْمِ كَانَ مُؤَدِّيًا مَا كَلَّفَهُ اللَّهُ، لِأَنَّ اللَّهَ لَوْ أَرَادَ مِنْ إِلْزَامِ الْحَالِقِ رَأْسَهُ فِي نُسُكِهِ بُلُوغَ الْكَعْبَةِ لَشَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، كَمَا شَرَطَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ، وَفِي تَرْكِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ أَنَّهُ حَيْثُ نَسَكَ أَوْ أَطْعَمَ أَجْزَأَ. وَأَمَّا عِلَّةُ مَنْ قَالَ: النُّسُكُ بِمَكَّةَ، وَالصِّيَامُ وَالْإِطْعَامُ حَيْثُ شَاءَ، فَالنُّسُكُ دَمٌ كَدَمِ الْهَدْيِ، فَسَبِيلُهُ سَبِيلُ هَدْيِ قَاتِلِ الصَّيْدِ. وَأَمَّا الْإِطْعَامُ فَلَمْ يَشْتَرِطِ اللَّهُ فِيهِ أَنْ يُصْرَفَ إِلَى أَهْلِ مَسْكَنَةِ مَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ، كَمَا شَرَطَ فِي هَدْيِ الْجَزَاءِ بُلُوغَ الْكَعْبَةِ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ ذَلِكَ لِأَهْلِ مَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ، إِذْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ شَرَطَ ذَلِكَ لِأَهْلِ مَكَانٍ بِعَيْنِهِ، كَمَا لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ مِنَ الْهَدْيِ لِسَاكِنِي الْحَرَمِ لِغَيْرِهِمْ، إِذْ كَانَ اللَّهُ قَدْ خَصَّ أَنَّ ذَلِكَ لِمَنْ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَسْكَنَةِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ، أَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ عَلَى حَالِقِ رَأْسِهِ مِنْ أَذًى مِنَ الْمُحْرِمِينَ فِدْيَةً مِنْ صِيَامٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ نُسُكٍ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَنَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِمَكَانٍ -[٤٠٦]- دُونَ مَكَانٍ، بَلْ أَبْهَمَ ذَلِكَ وَأَطْلَقَهُ، فَفِي أَيِّ مَكَانٍ نَسَكَ، أَوْ أَطْعَمَ، أَوْ صَامَ فَيَجْزِي عَنِ الْمُفْتَدِي؛ وَذَلِكَ لَقِيَامِ الْحِجَّةِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ إِذْ حَرَّمَ أُمَّهَاتِ نِسَائِنَا فَلَمْ يَحْصُرْهُنَّ عَلَى أَنَّهُنَّ أُمَّهَاتُ النِّسَاءِ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ لَمْ يَجِبْ أَنْ يَكُنَّ مَرْدُودَاتِ الْأَحْكَامِ عَلَى الرَّبَائِبِ الْمَحْصُورَاتِ عَلَى أَنَّ الْمُحَرَّمَةَ مِنْهُنَّ الْمَدْخُولُ بِأُمِّهَا، فَكَذَلِكَ كُلُّ مُبْهَمَةٍ فِي الْقُرْآنِ غَيْرُ جَائِزٍ رَدُّ حُكْمِهَا عَلَى الْمُفَسَّرَةِ قِيَاسًا، وَلَكِنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يَحْكُمَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِمَا احْتَمَلَهُ ظَاهِرُ التَّنْزِيلِ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَ فِي بَعْضِ ذَلِكَ خَبَرٌ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِحَالَةِ حُكْمِ ظَاهِرِهِ إِلَى بَاطِنِهِ، فَيَجِبُ التَّسْلِيمُ حِينَئِذٍ لِحُكْمِ الرَّسُولِ، إِذْ كَانَ هُوَ الْمُبِينُ عَنْ مُرَادِ اللَّهِ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الصِّيَامَ مُجْزِئٌ عَنِ الْحَالِقِ رَأْسَهُ مِنْ أَذًى حَيْثُ صَامَ مِنَ الْبِلَادِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يَجِبُ أَنْ يَفْعَلَ بِنُسُكِ الْفِدْيَةِ مِنَ الْحَلْقِ، وَهَلْ يَجُوزُ لِلْمُفْتَدِي الْأَكْلُ مِنْهُ أَمْ لَا؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ لِلْمُفْتَدِي أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، وَلَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِهِ


الصفحة التالية
Icon