كَذَلِكَ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ مَا هُوَ لِغَيْرِهِ، وَمَا هُوَ لِغَيْرِهِ بَعْضُ النُّسُكِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ بَعْضَ النُّسُكِ لَا النُّسُكَ كُلَّهُ. قَالُوا: وَفِي إِلْزَامِ اللَّهِ إِيَّاهُ النُّسُكَ تَامًّا مَا يُبِينُ عَنْ فَسَادِ هَذَا الْقَوْلِ. وَعِلَّةُ مَنْ قَالَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ عَلَى الْمُفْتَدِي نُسُكًا، وَالنُّسُكُ فِي مَعَانِي الْأَضَاحِيِّ؛ وَذَلِكَ هُوَ ذَبْحُ مَا يَجْزِي فِي الْأَضَاحِيِّ مِنَ الْأَزْوَاجِ الثَّمَانِيَةِ. قَالُوا: وَلَمْ يَأْمُرِ اللَّهُ بِدَفْعِهِ إِلَى الْمَسَاكِينِ. قَالُوا: فَإِذَا ذَبَحَ فَقَدْ نَسَكَ وَفَعَلَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ، وَلَهُ حِينَئِذٍ الْأَكْلُ مِنْهُ، وَالصَّدَقَةُ مِنْهُ بِمَا شَاءَ، وَإِطْعَامُ مَا أَحَبَّ مِنْهُ مَنْ أَحَبَّ، كَمَا لَهُ ذَلِكَ فِي أُضْحِيَّتِهِ. وَالَّذِي نَقُولُ بِهِ فِي ذَلِكَ: أَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ عَلَى الْمُفْتَدِي نُسُكًا إِنِ اخْتَارَ التَّكْفِيرَ بِالنُّسُكِ، وَلَنْ يَخْلُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَبْحَهُ دُونَ غَيْرِهِ، أَوْ ذَبْحَهُ وَالتَّصَدُّقَ بِهِ. فَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ذَبْحَهُ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ إِذَا ذَبَحَ نُسُكًا فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ، وَإِنْ أَكَلَ جَمِيعَهُ وَلَمْ يُطْعِمْ مِسْكِينًا مِنْهُ شَيْئًا، وَذَلِكَ مَا لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَهُ، أَوْ يَكُونُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ ذَبَحَهُ وَالصَّدَقَةَ بِهِ ; فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَغَيْرُ جَائِزٍ لَهُ أَكْلُ مَا عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ، كَمَا لَوْ لَزِمَتْهُ زَكَاةٌ فِي مَالِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، بَلْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهَا أَهْلَهَا الَّذِينَ جَعَلَهَا اللَّهُ لَهُمْ. فَفِي إِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ مَا أَلْزَمَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّمَا أَلْزَمَهُ لِغَيْرِهِ، دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى حُكْمِ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ غَيْرِهِ. وَمَعْنَى النُّسُكِ: الذَّبْحُ لِلَّهِ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، يُقَالُ: نَسَكَ فُلَانٌ لِلَّهِ