فَإِذَا كَانَ النَّحْرُ لَمْ يَكُنْ لَهُ لَازِمًا قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ يَوْمَ النَّحْرِ، فَإِنَّمَا لَزِمَهُ الصَّوْمُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَذَلِكَ حِينَ عَدِمَ الْهَدْيَ فَلَمْ يَجِدْهُ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ. قَالُوا: وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالصَّوْمُ إِنَّمَا يَلْزَمُهُ أَوَّلُهُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَلِي يَوْمَ النَّحْرِ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّحْرَ إِنَّمَا كَانَ لَزِمَهُ مِنْ بَعْدِ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَمِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إِذَا لَمْ يَجِدْهُ يَكُونُ لَهُ الصَّوْمُ. قَالُوا: وَإِذَا طَلَعَ فَجْرُ يَوْمٍ وَلَمْ يَلْزَمْهُ صَوْمُهُ قَبْلَ ذَلِكَ إِذَا كَانَ الصَّوْمُ لَا يَكُونُ فِي بَعْضِ نَهَارِ يَوْمٍ فِي وَاجِبٍ، عَلِمَ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي يَلِيهِ إِلَى انْقِضَاءِ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. قَالُوا: وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ الْقَائِلِ: إِنَّ أَيَّامَ مِنًى لَيْسَتْ مِنْ أَيَّامِ الْحَجِّ ; لِأَنَّهُنَّ يَنْسُكَ فِيهِنَّ بِالرَّمْيِ، وَالْعُكُوفِ عَلَى عَمَلِ الْحَجِّ كَمَا يَنْسُكُ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ فِي الْأَيَّامِ قَبْلَهَا
قَالُوا: هَذَا مَعَ شَهَادَةِ الْخَبَرِ الَّذِي حَدَّثَنِي بِهِ، مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ، أَنَّ شُعْبَةَ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُتَمَتِّعِ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ وَلَمْ يَصُمْ حَتَّى فَاتَتْهُ أَيَّامُ الْعَشْرِ، أَنْ يَصُومَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ مَكَانَهَا» لِصِحَّةِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ وَخَطَأِ قَوْلِ مَنْ خَالَفَ قَوْلَنَا فِيهِ
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنِي هُشَيْمٌ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسٍ، فَنَادَى فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ أَيَّامُ أَكْلٍ، وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ، إِلَّا مَنْ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمٌ مِنْ -[٤٢٨]- هَدْيٍ» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ الَّذِي يَجِبُ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ الِابْتِدَاءُ فِي صَوْمِ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ﴾ [البقرة: ١٩٦]، وَالْوَقْتُ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ فِيهِ صَوْمُهُنَّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ فِيهِ صَوْمُهُنَّ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَهُ أَنْ يَصُومُهُنَّ مِنْ أَوَّلِ أَشْهُرِ الْحَجِّ.


الصفحة التالية