حَيْثُ لَا تَسْمَعُ صَوْتَهُ غَنَمُهُ فَلَا تَنْتَفِعُ مِنْ نَعْقِهِ بِشَيْءٍ غَيْرَ أَنَّهُ فِي عَنَاءٍ مِنْ دُعَاءٍ وَنِدَاءٍ، فَكَذَلِكَ الْكَافِرُ فِي دُعَائِهِ آلِهَتَهُ إِنَّمَا هُوَ فِي عَنَاءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِيَّاهَا وَنِدَائِهِ لَهَا، وَلَا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ. وَأَوْلَى التَّأْوِيلِ عِنْدِي بِالْآيَةِ التَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ: وَمَثَلُ وَعْظِ الْكَافِرِ وَوَاعِظِهِ كَمَثَلِ النَّاعِقِ بِغَنَمِهِ وَنَعِيقِهِ، فَإِنَّهُ يَسْمَعُ نَعْقَهُ وَلَا يَعْقِلُ كَلَامَهُ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ. فَأَمَّا وَجْهُ جَوَازِ حَذْفِ «وَعْظِ» اكْتِفَاءٌ بِالْمَثَلِ مِنْهُ فَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى الْبَيَانِ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا﴾ [البقرة: ١٧] وَفِي غَيْرِهِ مِنْ نَظَائِرِهِ مِنَ الْآيَاتِ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ عَنْ إِعَادَتِهِ. وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا هَذَا التَّأْوِيلَ، لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ، وَإِيَّاهُمْ عَنَى اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِهَا، وَلَمْ تَكُنِ الْيَهُودُ أَهْلَ أَوْثَانٍ يَعْبُدُونَهَا وَلَا أَهْلَ أَصْنَامٍ يُعَظِّمُونَهَا وَيَرْجُونَ نَفْعَهَا أَوْ دَفْعَ ضَرِّهَا. وَلَا وَجْهَ إِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لِتَأْوِيلِ مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ أَنَّهُ بِمَعْنَى: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي نِدَائِهِمُ الْآلِهَةَ وَدُعَائِهُمْ إِيَّاهَا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا دَلِيلُكَ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْيَهُودُ؟ قِيلَ: دَلِيلُنَا عَلَى ذَلِكَ مَا قَبْلَهَا مِنَ الْآيَاتِ وَمَا بَعْدَهَا، فَإِنَّهُمْ هُمُ الْمَعْنِيُّونَ بِهِ، فَكَانَ مَا بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْهُمْ أَحَقُّ وَأَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْ غَيْرِهِمْ حَتَّى تَأْتِيَ الْأَدِلَّةُ وَاضِحَةً بِانْصِرَافِ الْخَبَرِ عَنْهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ. هَذَا مَعَ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَخْبَارِ عَمَّنْ ذَكَرْنَا عَنْهُ أَنَّهَا فِيهِمْ نَزَلَتْ، وَالرِّوَايَةُ الَّتِي رُوِّينَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْآيَةَ


الصفحة التالية