ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: " ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾ [البقرة: ٢٠٠] قَالَ: كَانَتِ الْعَرَبُ إِذَا قَضَتْ مَنَاسِكَهَا وَأَقَامُوا بِمِنًى يَقُومُ الرَّجُلُ فَيَسْأَلُ اللَّهَ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّ أَبِي كَانَ عَظِيمَ الْجَفْنَةِ عَظِيمَ الْقُبَّةِ كَثِيرَ الْمَالِ، فَأَعْطِنِي مِثْلَ مَا أَعْطَيْتَ أَبِي. لَيْسَ بِذِكْرِ اللَّهِ، إِنَّمَا يَذْكُرُ آبَاءَهُ، وَيَسْأَلُهُ أَنْ يُعْطَى فِي الدُّنْيَا " وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدِي فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَمَرَ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِذِكْرِهِ بِالطَّاعَةِ لَهُ فِي الْخُضُوعِ لَأَمْرِهِ وَالْعِبَادَةِ لَهُ بَعْدَ قَضَاءِ مَنَاسِكِهِمْ. وَذَلِكَ الذِّكْرُ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ هُوَ التَّكْبِيرُ الَّذِي أُمِرَ بِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: ٢٠٣] الَّذِي أَوْجَبُهُ عَلَى مَنْ قَضَى نُسُكَهُ بَعْدَ قَضَائِهِ نُسُكِهِ، فَأَلْزَمَهُ حِينَئِذٍ مِنْ ذَكَرَهُ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ لَازِمًا قَبْلَ ذَلِكَ، وَحَثَّ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ مُحَافَظَةَ الْأَبْنَاءِ عَلَى ذِكْرِ الْآبَاءِ فِي الْإِكْثَارِ مِنْهُ بِالِاسْتِكَانَةِ لَهُ وَالتَّضَرُّعِ إِلَيْهِ بِالرَّغْبَةِ مِنْهُمْ إِلَيْهِ فِي حَوَائِجِهِمْ كَتَضَرُّعِ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَالصَّبِيِّ لِأُمِّهِ وَأبِيهِ، أَوْ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ؛ إِذْ كَانَ مَا كَانَ بِهِمْ وَبِآبَائِهِمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْهُ وَهُوَ وَلِيُّهُ وَإِنَّمَا قُلْنَا: الذِّكْرُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِهِ الْحَاجَّ بَعْدَ قَضَاءِ مَنَاسِكِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾ [البقرة: ٢٠٠] جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ هُوَ التَّكْبِيرُ الَّذِي وَصَفْنَا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَا ذِكْرَ لِلَّهِ أُمِرَ -[٥٤١]- الْعِبَادُ بِهِ بَعْدَ قَضَاءِ مَنَاسِكِهِمْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ مِنْ فَرْضِهِ قَبْلَ قَضَائِهِمُ مَنَاسِكِهِمْ، سِوَى التَّكْبِيرِ الَّذِي خَصَّ اللَّهُ بِهِ أَيَّامَ مِنًى. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ أَوْجَبَ عَلَى خَلْقِهِ بَعْدَ قَضَائِهِمْ مَنَاسِكَهُمْ مِنْ ذِكْرِهِ مَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ، وَكَانَ لَا شَيْءَ مِنْ ذِكْرِهِ خُصَّ بِهِ ذَلِكَ الْوَقْتُ سِوَى التَّكْبِيرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، كَانَتْ بَيِّنَةُ صِحَّةِ مَا قُلْنَا مِنْ تَأْوِيلِ ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْنَا