«كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ إِحْرَاقًا لِزَرْعِ قَوْمٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَعَقْرًا لِحُمُرِهِمْ» حَدَّثَنِي بِذَلِكَ، مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثني عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ
وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عَثَّامٌ، قَالَ: ثنا النَّضْرُ بْنُ عَرَبِيٍّ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ﴾ [البقرة: ٢٠٥] الْآيَةَ، قَالَ: إِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ بِالْعُدْوَانِ وَالظُّلْمِ، فَيَحْبِسُ اللَّهُ بِذَلِكَ الْقَطْرَ، فَيُهْلِكُ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ، وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ. قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ مُجَاهِدٌ: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبِرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم: ٤١] قَالَ: ثُمَّ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا هُوَ بَحْرُكُمْ هَذَا، وَلَكِنْ كُلُّ قَرْيَةٍ عَلَى مَاءٍ جَارٍ فَهُوَ بَحْرٌ " وَالَّذِي قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَإِنْ كَانَ مَذْهَبًا مِنَ التَّأْوِيلِ تَحْتَمِلُهُ الْآيَةُ، فَإِنَّ الَّذِي هُوَ أَشْبَهُ بِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ مِنَ التَّأْوِيلِ مَا ذَكَرْنَا عَنِ السُّدِّيِّ، فَلِذَلِكَ اخْتَرْنَاهُ. وَأَمَّا الْحَرْثُ، فَإِنَّهُ الزَّرْعُ، وَالنَّسْلُ: الْعَقِبُ، وَالْوَلَدُ وَإِهْلَاكُهُ الزَّرْعَ: إِحْرَاقُهُ. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَانَ كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ، بِاحْتِبَاسِ الْقَطْرِ مِنْ أَجْلِ مَعْصِيَتِهِ رَبَّهُ وَسَعْيِهِ بِالْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَانَ بِقَتْلِهِ الْقَوَّامَ بِهِ، وَالْمُتَعَاهِدِينَ لَهُ حَتَّى -[٥٨٤]- فَسَدَ فَهَلَكَ. وَكَذَلِكَ جَائِزٌ فِي مَعْنَى إِهْلَاكِهِ النَّسْلَ أَنْ يَكُونَ كَانَ بِقَتْلِهِ أُمَّهَاتِهِ أَوْ آبَاءَهُ الَّتِي مِنْهَا يَكُونُ النَّسْلُ، فَيَكُونُ فِي قَتْلِهِ الْآبَاءَ وَالْأُمَّهَاتِ انْقِطَاعُ نَسْلِهِمَا. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ، غَيْرِ أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ تَحْتَمِلُهُ الْآيَةُ فَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِظَاهِرِهَا مَا قَالَهُ السُّدِّيُّ، غَيْرَ أَنَّ السُّدِّيَّ، ذَكَرَ أَنَّ الَّذِيَ نَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي قَتْلِهِ حُمُرَ الْقَوْمِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَإِحْرَاقِهِ زَرْعًا لَهُمْ. وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ، فَغَيْرُ فَاسِدٍ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِيهِ، وَالْمُرَادُ بِهَا كُلُّ مَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُ فِي قَتْلِ كُلِّ مَا قُتِلَ مِنَ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ بِحَالٍ وَالَّذِي يَحِلُّ قَتْلُهُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ إِذَا قَتَلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، بَلْ ذَلِكَ كَذَلِكَ عِنْدِي، لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يُخَصِّصْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ بَلْ عَمَّهُ. وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي عُمُومِ ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ


الصفحة التالية
Icon