حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ الْمَدِينِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تُوقَفُونَ مَوْقِفًا وَاحِدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِقْدَارَ سَبْعِينَ عَامًا لَا يُنْظَرُ إِلَيْكُمْ، وَلَا يُقْضَى بَيْنَكُمْ، قَدْ حُصِرَ عَلَيْكُمْ فَتَبْكُونَ حَتَّى يَنْقَطِعَ الدَّمْعُ، ثُمَّ تَدْمَعُونَ دَمًا، وَتَبْكُونَ حَتَّى يَبْلُغَ ذَلِكَ مِنْكُمُ الْأَذْقَانَ، أَوْ يُلْجِمَكُمْ فَتَصِيحُونَ، ثُمَّ تَقُولُونَ: مَنْ يَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّنَا فَيَقْضِيَ بَيْنَنَا؟ فَيَقُولُونَ: مَنْ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْ أَبِيكُمْ آدَمَ؟ جَبَلَ اللَّهُ تُرْبَتَهُ، وَخَلَقَهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَكَلَّمَهُ قِبَلًا، فَيُؤْتَى آدَمُ، فَيُطْلَبُ ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَيَأْبَى، ثُمَّ يَسْتَقْرِئُونَ الْأَنْبِيَاءَ نَبِيًّا نَبِيًّا، كُلَّمَا جَاءُوا نَبِيًّا أَبَىَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَتَّى يَأْتُونِي، فَإِذَا جَاءُونِي خَرَجْتُ حَتَّى آتِيَ الْفَحْصَ» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَمَا الْفَحْصُ؟ قَالَ: " قُدَّامُ الْعَرْشِ، فَأَخِرَّ سَاجِدًا، فَلَا أَزَالُ سَاجِدًا حَتَّى يَبْعَثَ اللَّهُ إِلَيَّ مَلَكًا، فَيَأْخُذَ بِعَضُدِي فَيَرْفَعَنِي، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ لِي: يَا مُحَمَّدُ فَأَقُولُ: نَعَمْ، -[٦١٢]- وَهُوَ أَعْلَمُ، فَيَقُولُ: مَا شَأْنُكَ؟ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ وَعَدْتَنِي الشَّفَاعَةَ، فَشَفِّعْنِي فِي خَلْقِكَ فَاقْضِ بَيْنَهُمْ فَيَقُولُ: قَدْ شَفَّعْتُكَ، أَنَا آتِيكُمُ فَأَقْضِي بَيْنَكُمْ ". قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَأَنْصَرِفُ حَتَّى أَقِفَ مَعَ النَّاسِ، فَبَيْنَا نَحْنُ وقُوفٌ سَمِعْنَا حِسًّا مِنَ السَّمَاءِ شَدِيدًا، فَهَالَنَا، فَنَزَلَ أَهْلُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا بِمِثْلَيْ مِنْ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْجِنِّ، وَالْإِنْسِ حَتَّى إِذَا دَنَوْا مِنَ الْأَرْضِ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِهِمْ، وَأَخَذُوا مَصَافَّهُمْ، فَقُلْنَا لَهُمْ: أَفِيكُمْ رَبُّنَا؟ قَالُوا: لَا، وَهُوَ آتٍ ثُمَّ نَزَلَ أَهْلُ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ بِمِثْلَيْ مَنْ نَزَلَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَبِمِثْلَيْ مَنْ فِيهَا مِنَ الْجِنِّ، وَالْإِنْسِ، حَتَّى إِذَا دَنَوْا مِنَ الْأَرْضِ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِهِمْ، وَأَخَذُوا مَصَافَّهُمْ، فَقُلْنَا لَهُمْ: أَفِيكُمْ رَبُّنَا؟ قَالُوا: لَا، وَهُوَ آتٍ. ثُمَّ نَزَلَ أَهْلُ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ بِمِثْلَيْ مَنْ نَزَلَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَبِمِثْلَيْ مَنْ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْجِنِّ، وَالْإِنْسِ حَتَّى إِذَا دَنَوْا مِنَ الْأَرْضِ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِهِمْ، وَأَخَذُوا مَصَافَّهُمْ، فَقُلْنَا لَهُمْ: أَفِيكُمْ رَبُّنَا؟ قَالُوا: لَا، وَهُوَ آتٍ، ثُمَّ نَزَلَ أَهْلُ السَّمَوَاتِ عَلَى عَدَدِ ذَلِكَ مِنَ التَّضْعِيفِ حَتَّى نَزَلَ الْجَبَّارُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةِ وَلَهُمْ زَجَلٌ مِنْ تَسْبِيحِهِمْ يَقُولُونَ: سُبْحَانَ ذِي الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ، سُبْحَانَ رَبِّ الْعَرْشِ ذِي الْجَبَرُوتِ، سُبْحَانَ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، سُبْحَانَ الَّذِي يُمِيتُ الْخَلَائِقَ وَلَا يَمُوتُ، سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ، قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ، سُبْحَانَ رَبِّنَا الْأَعْلَى، سُبْحَانَ ذِي السُّلْطَانِ وَالْعَظَمَةِ، سُبْحَانَهُ أَبَدًا أَبَدًا، فَيَنْزِلُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَحْمِلُ عَرْشَهُ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ، وَهُمُ الْيَوْمَ أَرْبَعًا، أَقْدَامُهُمْ عَلَى تُخُومِ الْأَرْضِ -[٦١٣]- السُّفْلَى وَالسَّمَوَاتُ إِلَى حُجَزِهِمْ، وَالْعَرْشُ عَلَى مَنَاكِبِهِمْ، فَوَضَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَرْشَهُ حَيْثُ شَاءَ مِنَ الْأَرْضِ. ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ نِدَاءً يُسْمِعُ الْخَلَائِقَ، فَيَقُولُ: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِّي قَدْ أُنْصِتُ مُنْذُ يَوْمِ خَلَقْتُكُمْ إِلَى يَوْمِكُمْ هَذَا، أَسْمَعُ كَلَامَكُمْ، وَأُبْصِرُ أَعْمَالَكُمْ، فَأَنْصِتُوا إِلَيَّ، فَإِنَّمَا هُوَ صُحُفُكُمْ وَأَعْمَالُكُمْ تُقْرَأُ عَلَيْكُمْ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ، فَيَقْضِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ خَلْقِهِ الْجِنِّ، وَالْإِنْسِ، وَالْبَهَائِمِ، فَإِنَّهُ لَيَقْتَصُّ يَوْمَئِذٍ لِلْجَمَّاءِ مِنْ ذَاتِ الْقَرْنِ " وَهَذَا الْخَبَرُ يَدُلُّ عَلَى خَطَأِ قَوْلِ قَتَادَةَ فِي تَأْوِيلِهِ قَوْلَهُ: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ﴾ [البقرة: ٢١٠] أَنَّهُ يَعْنِي بِهِ: الْمَلَائِكَةَ تَأْتِيَهُمْ عِنْدَ الْمَوْتِ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ أَنَّهُمْ يَأْتُونَهُمْ بَعْدَ قِيَامِ السَّاعَةِ فِي مَوْقِفِ الْحِسَابِ حِينَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ. وَبِمِثْلِ ذَلِكَ رُوِيَ الْخَبَرُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ كَرِهْنَا إِطَالَةَ الْكِتَابِ بِذِكْرِهِمْ وَذِكْرِ مَا قَالُوا فِي ذَلِكَ. -[٦١٤]- وَيُوَضِّحُ أَيْضًا صِحَّةَ مَا اخْتَرْنَا فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ﴾ [البقرة: ٢١٠] بِالرَّفْعِ عَلَى مَعْنَى: وَتَأْتِيهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَيُبَيِّنُ عَنْ خَطَأِ قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِالْخَفْضِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَأْتِي أَهْلَ الْقِيَامَةِ فِي مَوْقِفِهِمْ حِينَ تَفَطَّرُ السَّمَاءُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمُ رَبُّهُمْ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَارِئُ ذَلِكَ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنَى بِقَوْلِهِ ذَلِكَ: إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ، وَفِي الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يَأْتُونَ أَهْلَ الْمَوْقِفِ حِينَ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ فَيَكُونُ ذَلِكَ وَجْهًا مِنَ التَّأْوِيلِ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَدَلَالَةِ الْكِتَابِ، وَآثَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّابِتَةِ