حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ﴾ [البقرة: ١٧٣] أَمَا بَاغٍ فَيَبْغِي فِيهِ شَهْوَتَهُ، وَأَمَّا الْعَادِي: فَيَتَعَدَّى فِي أَكْلِهِ، يَأْكُلُ حَتَّى يَشْبَعَ، وَلَكِنْ يَأْكُلُ مِنْهُ قَدْرَ مَا يُمْسِكُ بِهِ نَفْسَهُ حَتَّى يَبْلُغَ بِهِ حَاجَتَهُ " وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ﴾ [البقرة: ١٧٣] بِأَكْلِهِ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ مِنْ أَكْلِهِ ﴿وَلَا عَادٍ﴾ [البقرة: ١٧٣] فِي أَكْلِهِ، وَلَهُ عَنْ تَرْكِ أَكْلِهِ بِوُجُودِ غَيْرِهِ مِمَّا أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ مَنْدُوحَةٌ وَغِنًى، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَمْ يُرَخِّصْ لِأَحَدٍ فِي قَتْلِ نَفْسِهِ بِحَالٍ، وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْخَارِجَ عَلَى الْإِمَامِ وَالْقَاطِعَ الطَّرِيقَ، وَإِنْ كَانَا قَدْ أَتَيَا مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا مِنْ خُرُوجِ هَذَا عَلَى مَنْ خَرَجَ عَلَيْهِ وَسَعْيِ هَذَا بِالْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ، فَغَيْرُ مُبِيحٍ لَهُمَا فِعْلُهُمَا مَا فَعَلَا مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا مَا كَانَ حَرَّمَ -[٦٣]- اللَّهُ عَلَيْهِمَا قَبْلَ إِتْيَانِهِمَا مَا أَتَيَا مِنْ ذَلِكَ مِنْ قَتْلِ أَنْفُسِهِمَا، بَلْ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمَا وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّهِمَا إِلَى مَحَارِمِ اللَّهِ عَلَيْهِمَا تَحْرِيمًا فَغَيْرُ مُرَخِّصٍ لَهُمَا مَا كَانَ عَلَيْهِمَا قَبْلَ ذَلِكَ حَرَامًا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالْوَاجِبُ عَلَى قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَالْبُغَاةِ عَلَى الْأَئِمَّةِ الْعَادِلَةِ، الْأَوْبَةُ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَالرُّجُوعِ إِلَى مَا أَلْزَمَهُمَا اللَّهُ الرُّجُوعَ إِلَيْهِ، وَالتَّوْبَةَ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ لَا قَتْلُ أَنْفُسِهِمَا بِالْمَجَاعَةِ، فَيَزْدَادَانِ إِلَى إِثْمِهِمَا إِثْمًا، وَإِلَى خَلَافِهِمَا أَمْرَ اللَّهِ خِلَافًا. وَأَمَّا الَّذِي وَجَّهَ تَأْوِيلَ ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ غَيْرُ بَاغٍ فِي أَكْلِهِ شَهْوَةٍ، فَأَكَلَ ذَلِكَ شَهْوَةً لَا لِدَفْعِ الضَّرُورَةِ الْمَخُوفِ مِنْهَا الْهَلَاكُ مِمَّا قَدْ دَخَلَ فِيمَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَهُوَ بِمَعْنَى مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيلِهِ، وَإِنْ كَانَ لِلَفْظِهِ مُخَالِفًا. فَأَمَّا تَوْجِيهُ تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَلَا عَادٍ﴾ [البقرة: ١٧٣] وَلَا آكِلٌ مِنْهُ شِبَعُهُ، وَلَكِنْ مَا يُمْسِكُ بِهِ نَفْسَهُ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ بَعْضَ مَعَانِي الِاعْتِدَاءِ فِي أَكْلِهِ، وَلَمْ يُخَصِّصِ اللَّهُ مِنْ مَعَانِي الِاعْتِدَاءِ فِي أَكْلِهِ مَعْنًى فَيُقَالُ عَنَى بِهِ بَعْضَ مَعَانِيهِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ الِاعْتِدَاءُ فِي كُلِّ مَعَانِيهِ الْمُحَرَّمَةِ. وَأَمَّا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: ﴿فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ١٧٣] يَقُولُ: مِنْ أَكْلِ ذَلِكَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي وَصَفْنَا فَلَا تَبَعَةَ عَلَيْهِ فِي أَكْلِهِ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَلَا حَرَجَ