وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَقْتُ الَّذِي كَانُوا فِيهِ أُمَّةً وَاحِدَةً مِنْ عَهْدِ آدَمَ إِلَى عَهْدِ نُوحٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، كَمَا رَوَى عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَمَا قَالَهُ قَتَادَةُ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ كَانَ ذَلِكَ حِينَ عُرِضَ عَلَى آدَمَ خَلْقُهُ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ كَانَ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ غَيْرَ ذَلِكَ. وَلَا دَلَالَةَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَلَا خَيْرَ يُثْبِتُ بِهِ الْحُجَّةَ عَلَى أَيِّ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ كَانَ ذَلِكَ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ نَقُولَ فِيهِ إِلَّا مَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا أُمَّةً وَاحِدَةً، فَبَعَثَ اللَّهُ فِيهِمْ لَمَّا اخْتَلَفُوا الْأَنْبِيَاءَ، وَالرُّسُلَ. وَلَا يَضُرَّنَا الْجَهْلُ بِوَقْتِ ذَلِكَ، كَمَا لَا يَنْفَعُنَا الْعِلْمُ بِهِ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْعِلْمُ بِهِ لِلَّهِ طَاعَةً، غَيْرَ أَنَّهُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ، فَإِنَّ دَلِيلَ الْقُرْآنِ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا أُمَّةً وَاحِدَةً، إِنَّمَا كَانُوا أُمَّةً وَاحِدَةً عَلَى الْإِيمَانِ وَدِينِ الْحَقِّ دُونَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَالشِّرْكِ بِهِ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ قَالَ فِي السُّورَةِ الَّتِي يَذْكُرُ فِيهَا يُونُسَ: ﴿وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [يونس: ١٩] فَتَوَعَّدَ جَلَّ ذِكْرُهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ لَا عَلَى الِاجْتِمَاعِ، وَلَا عَلَى كَوْنِهِمْ أُمَّةً وَاحِدَةً، وَلَوْ كَانَ اجْتِمَاعُهُمْ قَبْلَ الِاخْتِلَافِ كَانَ عَلَى الْكُفْرِ، ثُمَّ كَانَ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ إِلَّا بِانْتِقَالِ بَعْضِهِمْ إِلَى الْإِيمَانِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَكَانَ الْوَعْدُ أَوْلَى بِحِكْمَتِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي ذَلِكَ الْحَالِ مِنَ الْوَعِيدِ؛ لِأَنَّهَا حَالُ إِنَابَةِ بَعْضِهِمْ إِلَى طَاعَتِهِ، وَمُحَالٌ أَنْ يَتَوَعَّدَ فِي حَالِ التَّوْبَةِ، وَالْإِنَابَةِ، وَيَتْرُكُ ذَلِكَ فِي حَالِ اجْتِمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ.