فِيهِ، كَمَا هَدَى الَّذِينَ آمَنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ فِيهِ بَغْيًا بَيْنَهُمْ، فَسَدَّدَهُمْ لِإِصَابَةِ الْحَقِّ، وَالصَّوَابِ فِيهِ. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الْبَيَانُ الْوَاضِحُ عَلَى صِحَّةِ مَا قَالَهُ أَهْلُ الْحَقِّ مِنْ أَنَّ كُلَّ نِعْمَةٍ عَلَى الْعِبَادِ فِي دِينِهِمْ أَوْ دُنْيَاهُمْ، فَمَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ [البقرة: ٢١٣] أَهَدَاهُمْ لِلْحَقِّ أَمْ هَدَاهُمْ لِلْاخْتِلَافِ؟ فَإِنْ كَانَ هَدَاهُمْ لِلْاخْتِلَافِ فَإِنَّمَا " أَضَلَّهُمْ، وَإِنْ كَانَ هَدَاهُمْ لِلْحَقِّ فَيَكُفَّ قِيلَ: ﴿فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ [البقرة: ٢١٣] ؟ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبْتُ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ: فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِلْحَقِّ فِيمَا اخْتَلَفَ فِيهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ الَّذِينَ أُوتُوهُ، فَكَفَرَ بِتَبْدِيلِهِ بَعْضِهِمْ، وَثَبَتَ عَلَى الْحَقِّ وَالصَّوَابِ فِيهِ بَعْضُهُمْ، وَهُمْ أَهْلُ التَّوْرَاةِ الَّذِينَ بَدَّلُوهَا، فَهَدَى اللَّهُ لِلْحَقِّ مِمَّا بَدَّلُوا وَحَرَّفُوا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَإِنْ أَشْكَلَ مَا قُلْنَا عَلَى ذِي غَفْلَةٍ، فَقَالَ وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَمَا قُلْتَ، وَ «مِنْ» إِنَّمَا هِيَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي «الْحَقِّ» وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: ﴿لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ [البقرة: ٢١٣] وَأَنْتَ تُحَوِّلُ اللَّامَ فِي «الْحَقِّ»، وَ «مِنْ» فِي الِاخْتِلَافِ فِي التَّأْوِيلِ الَّذِي تَتَأَوَّلَهُ فَتَجْعَلُهُ مَقْلُوبًا؟ قِيلَ: ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَوْجُودٌ مُسْتَفِيضٌ، وَاللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِنَّمَا خَاطَبَهُمْ بِمَنْطِقِهِمْ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الكامل]


الصفحة التالية
Icon