نَفَقَاتِكُمْ، وَمَطَاعِمِكُمْ، وَمَشَارِبِكُمْ، وَمَسَاكِنِكُمْ، فَتَضْمَنُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ عِوَضًا مِنْ قِيَامِكُمْ بِأُمُورِهِمْ، وَأَسْبَابِهِمْ، وَإِصْلَاحِ أَمْوَالِهِمْ، فَهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَالْإِخْوَانُ يُعِينُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَيَكْنُفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا؛ فَذُو الْمَالِ يُعِينُ ذَا الْفَاقَةِ، وَذُو الْقُوَّةِ فِي الْجِسْمِ يُعِينُ ذَا الضَّعْفِ. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ وَأَيْتَامُكُمْ كَذَلِكَ إِنْ خَالَطْتُمُوهُمْ بِأَمْوَالِكُمْ، فَخَلَطْتُمْ طَعَامَكُمْ بِطَعَامِهِمْ، وَشَرَابَكُمْ بِشَرَابِهِمْ وَسَائِرَ أَمْوَالِكُمْ بِأَمْوَالِهِمْ، فَأَصَبْتُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَضْلَ مَرْفَقٍ بِمَا كَانَ مِنْكُمْ مِنْ قِيَامِكُمْ بِأَمْوَالِهِمْ وَوَلَائِهِمْ، وَمَعْانَاةِ أَسْبَابِهِمْ عَلَى النَّظَرِ مِنْكُمْ لَهُمْ نَظَرَ الْأَخِ الشَّفِيقِ لِأَخِيهِ الْعَامِلِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَلْزَمَهُ، فَذَلِكَ لَكُمْ حَلَالٌ، لِأَنَّكُمْ إِخْوَانُ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ
كَمَا حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: " ﴿وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٠] قَالَ: قَدْ يُخَالِطُ الرَّجُلُ أَخَاهُ "
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي مِسْكِينٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «إِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ، مَالُ الْيَتِيمِ كَالْعُرْةِ»
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «إِنَّى لَأَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ مَالُ الْيُتْمِ عِنْدِي عَلَى حِدَةٍ، حَتَّى أَخْلِطَ طَعَامَهُ بِطَعَامِي، وَشَرَابَهُ بِشَرَابِي» -[٧٠٦]- فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَكَيْفَ قَالَ ﴿فَإِخْوَانُكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٠] فَرَفَعَ الْإِخْوَانَ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا﴾ [البقرة: ٢٣٩]. قِيلَ: لِافْتِرَاقِ مَعْنَيَيْهِمَا، وَذَلِكَ أَنَّ أَيْتَامَ الْمُؤْمِنِينَ إِخْوَانُ الْمُؤْمِنِينَ، خَالَطَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ بِأَمْوَالِهِمْ أَوْ لَمْ يُخَالِطُوهُمْ. فَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَهُمْ إِخْوَانُكُمْ. وَالْإِخْوَانُ مَرْفُوعُونَ بِالْمَعْنَى الْمَتْرُوكِ ذِكْرُهُ وَهُوَ هُمْ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، وَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالْإِخْوَانِ الْخَبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِخْوَانًا مِنْ أَجْلِ مُخَالَطَةِ وُلَاتِهِمْ إِيَّاهُمْ. وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمُرَادَ لَكَانَتِ الْقِرَاءَةُ نَصْبًا، وَكَانَ مَعْنَاهُ حِينَئِذٍ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَخَالِطُوا إِخْوَانَكُمْ، وَلَكِنَّهُ قُرِئَ رَفْعًا لِمَا وَصَفْتُ مِنْ أَنَّهُمْ إِخْوَانٌ لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ خَالَطُوهُمْ أَوْ لَمْ يُخَالِطُوهُمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا﴾ [البقرة: ٢٣٩] فَنَصْبٌ لِأَنَّهُمَا حَالَانِ لِلْفِعْلِ غَيْرُ دَائِبَيْنِ، وَلَا يَصْلُحُ مَعَهُمَا هُوَ، وَذَلِكَ أَنَّكَ لَوْ أَظْهَرْتَ هُوَ مَعَهُمَا لَاسْتَحَالَ الْكَلَامُ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ قَائِلٌ: إِنْ خِفْتَ مِنْ عَدُوِّكَ أَنْ تُصَلِّيَ قَائِمًا، فَهُوَ رَاجِلٌ أَوْ رَاكِبٌ لَبَطَلَ الْمَعْنَى الْمُرَادُ بِالْكَلَامِ؟ وَذَلِكَ أَنْ تَأْوِيلَ الْكَلَامِ: فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ تُصَلُّوا قِيَامًا مِنْ عَدُوِّكُمْ، فَصَلُّوا رِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا؛ وَلِذَلِكَ نَصَبَهُ إِجْرَاءً عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنَ الْكَلَامِ كَمَا تَقُولُ فِي نَحْوِهِ مِنَ الْكَلَامِ: إِنْ لَبِسْتَ ثِيَابًا فَالْبَيَاضَ، فَتَنْصِبُهُ لِأَنَّكَ تُرِيدُ إِنْ لَبِسْتَ ثِيَابًا فَالْبَسِ الْبَيَاضَ، وَلَسْتَ تُرِيدُ الْخَبَرَ عَنْ أَنَّ جَمِيعَ مَا يُلْبَسُ مِنَ الثِّيَابِ فَهُوَ الْبَيَاضُ، وَلَوْ أَرَدْتَ الْخَبَرَ عَنْ ذَلِكَ لَقُلْتَ: إِنْ لَبِسْتَ ثِيَابًا فَالْبَيَاضَ رَفْعًا، إِذْ كَانَ مَخْرَجُ الْكَلَامِ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ مِنْكَ عَنِ اللَّابِسِ أَنَّ كُلَّ مَا -[٧٠٧]- يُلْبَسُ مِنَ الثِّيَابِ فَبَيَاضٌ، لِأَنَّكَ تُرِيدُ حِينَئِذٍ: إِنْ لَبِسْتَ ثِيَابًا فَهِيَ بَيَاضٌ. فَإِنْ قَالَ: فَهَلْ يَجُوزُ النَّصْبُ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَإِخْوَانُكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٠] ؟ قِيلَ: جَائِزٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ، فَأَمَّا فِي الْقِرَاءَةِ فَإِنَّمَا مَنَعْنَاهُ لِإِجْمَاعِ الْقُرَّاءِ عَلَى رَفْعِهِ. وَأَمَّا فِي الْعَرَبِيَّةِ فَإِنَّمَا أَجَزْنَاهُ لِأَنَّهُ يَحْسُنُ مَعَهُ تَكْرِيرُ مَا يُحْمَلُ فِي الَّذِي قَبْلَهُ مِنَ الْفِعْلِ فِيهِمَا: وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ تُخَالِطُونَ؛ فَيَكُونُ ذَلِكَ جَائِزًا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ