حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ بْنُ نُبَيْطٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: " ﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢] قَالَ: طُهُرًا غَيْرَ حِيَضٍ فِي الْقُبُلِ " وَقَالَ آخَرُونَ: بَلَى مَعْنَى ذَلِكَ: فَأْتُوا النِّسَاءَ مِنْ قِبَلِ النِّكَاحِ لَا مِنْ قِبَلِ الْفُجُورِ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ الْأَزْرَقُ، عَنْ أَبِي عُمَرَ الْأَسَدِيِّ، عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ: " ﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢] قَالَ: مِنْ قِبَلِ الْحَلَالِ مِنْ قِبَلِ التَّزْوِيجِ " وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ عِنْدِي قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَأْتُوهُنَّ مِنْ قِبَلِ طُهْرِهِنَّ؛ وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ أَمْرٍ بِمَعْنًى فَنُهِيَ عَنْ خِلَافِهِ وَضِدِّهِ، وَكَذَلِكَ النَّهْي عَنِ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ وَخِلَافِهِ. فَلَوْ كَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢] فَأْتُوهُنَّ مِنْ قِبَلِ مَخْرَجِ الدَّمِ الَّذِي نَهَيْتُكُمْ أَنْ تَأْتُوهُنَّ مِنْ قِبَلِهِ فِي حَالِ حَيْضِهِنَّ، لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] تَأْوِيلَهُ: وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ فِي مَخْرَجِ الدَّمِ دُونَ مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ أَمَاكِنِ جَسَدِهَا، فَيَكُونُ مُطْلَقًا فِي حَالِ حَيْضِهَا إِتْيَانُهُنَّ فِي أَدْبَارِهِنَّ. وَفِي إِجْمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَمْ يُطَلِّقْ فِي حَالِ الْحَيْضِ مِنْ إِتْيَانِهِنَّ فِي أَدْبَارِهِنَّ شَيْئًا حَرَّمَهُ فِي حَالِ الطُّهْرِ وَلَا حَرَّمَ مِنْ ذَلِكَ فِي حَالِ الطُّهْرِ -[٧٤١]- شَيْئًا أَحَلَّهُ فِي حَالِ الْحَيْضِ، مَا يُعْلَمُ بِهِ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ. وَبَعْدُ: فَلَوْ كَانَ مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةِ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ، حَتَّى يَكُونَ مَعْنَى الْكَلَامِ حِينَئِذٍ عَلَى التَّأْوِيلِ الَّذِي تَأَوَّلَهُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ أَمْرًا بِإِتْيَانِهِنَّ فِي فُرُوجِهِنَّ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْمَعْرُوفَ إِذَا أُرِيدَ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: أَتَى فُلَانٌ زَوْجَتَهُ مِنْ قِبَلِ فَرْجِهَا، وَلَا يُقَالُ: أَتَاهَا مِنْ فَرْجِهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَتَاهَا مِنْ قِبَلِ فَرْجِهَا فِي مَكَانٍ غَيْرِ الْفَرْجِ. فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: فَإِنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَلَيْسَ مَعْنَى الْكَلَامِ: فَأْتُوهُنَّ فِي فُرُوجِهِنَّ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ، فَأْتُوهُنَّ مِنْ قِبَلِ قُبُلِهِنَّ فِي فُرُوجِهِنَّ، كَمَا يُقَالُ: أَتَيْتُ هَذَا الْأَمْرَ مِنْ مَأْتَاهُ، قِيلَ لَهُ: إِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَلَا شَكَّ أَنَّ مَأْتِيَّ الْأَمْرِ وَوَجْهَهُ غَيْرُهُ، وَأَنَّ ذَلِكَ مَطْلَبُهُ. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى مَا زَعَمْتُمْ، فَقَدْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢] غَيْرَ الَّذِي زَعَمْتُمْ أَنَّهُ مَعْنَاهُ بِقَوْلِكُمُ: ائْتُوهُنَّ مِنْ قِبَلِ مَخْرَجِ الدَّمِ وَمِنْ حَيْثُ أُمِرْتُمْ بِاعْتِزَالِهِنَّ، وَلَكِنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يَكُونَ تَأْوِيلُهُ عَلَى ذَلِكَ: فَأْتُوهُنَّ مِنْ قِبَلِ وجُوهِهِنَّ فِي أَقْبَالِهِنَّ، كَمَا كَانَ قَوْلُ الْقَائِلِ ائْتِ الْأَمْرَ مِنْ مَأْتَاهُ إِنَّمَا مَعْنَاهُ: اطْلُبْهُ مِنْ مَطْلَبِهِ، وَمَطْلَبُ الْأَمْرِ غَيْرُ الْأَمْرِ الْمَطْلُوبِ، فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنَّ مَأْتِيَّ الْفَرْجِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ فِي قَوْلِهِمْ بِإِتْيَانِهِ غَيْرُ الْفَرْجِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَكَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ عِنْدَهُمْ: فَأْتُوهُنَّ مِنْ قِبَلِ وجُوهِهِنَّ فِي فُرُوجِهُنَّ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَلَى قَوْلِهِمْ مُحَرَّمًا إِتْيَانُهُنَّ فِي فُرُوجِهُنَّ مِنْ قِبَلِ أَدْبَارِهِنَّ، وَذَلِكَ إِنْ -[٧٤٢]- قَالُوهُ خَرَجَ مَنْ قَالَهُ مِنْ قِيلِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَخَالَفَ نَصَّ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَقَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] وَأْذِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِتْيَانِهِنَّ فِي فُرُوجِهُنَّ مِنْ قِبَلِ أَدْبَارِهِنَّ. فَقَدْ تَبَيَّنَ إِذًا إِذْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْنَا فَسَادُ تَأْوِيلِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: فَأْتُوهُنَّ فِي فُرُوجِهُنَّ حَيْثُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ إِتْيَانِهِنَّ فِي حَالِ حَيْضِهِنَّ، وَصِحَّةُ الْقَوْلِ الَّذِي قُلْنَاهُ، وَهُوَ أَنَّ مَعْنَاهُ: فَأْتُوهُنَّ فِي فُرُوجِهُنَّ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي أَذِنَ اللَّهُ لَكُمْ بِإِتْيَانِهِنَّ، وَذَلِكَ حَالَ طُهْرِهِنَّ وَتَطَهُّرِهِنَّ دُونَ حَالِ حَيْضِهِنَّ