وَمَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ آنِفًا مِنْ أَنَّهُ مَعْنِيُّ بِالْوَارِثِ الْمَوْلُودَ، وَفِي قَوْلِهِ: ﴿مِثْلُ ذَلِكَ﴾ [البقرة: ٢٣٣] أَنْ يَكُونَ مَعْنِيًّا بِهِ مِثْلَ الَّذِي كَانَ عَلَى وَالِدِهِ مِنْ رِزْقِ وَالِدَتِهِ، وَكِسْوَتِهَا بِالْمَعْرُوفِ إِنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ، وَهِيَ ذَاتُ زَمَانَةٍ، وَعَاهَةٍ، وَمَنْ لَا احْتَرَافَ فِيهَا وَلَا زَوْجَ لَهَا تَسْتَغْنِي بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْغِنَى وَالصِّحَّةِ، فَمِثْلُ الَّذِي كَانَ عَلَى وَالِدِهِ لَهَا مِنْ أَجْرِ رَضَاعِهِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا التَّأْوِيلَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِمَّا عَدَاهُ مِنْ سَائِرِ التَّأْوِيلَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، لِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُقَالَ فِي تَأْوِيلِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَوْلٌ إِلَّا بِحُجَّةٍ وَاضِحَةٍ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا فِي أَوَّلِ كِتَابِنَا هَذَا، وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ قَوْلُهُ: ﴿وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ﴾ [البقرة: ٢٣٣] مُحْتَمِلًا ظَاهِرُهُ: وَعَلَى وَارِثِ الصَّبِيِّ الْمَوْلُودِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ، وَمُحْتَمِلًاوَعَلَى وَارِثِ الْمَوْلُودِ لَهُ مِثْلَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ مِنْ تَرْكِ ضِرَارِ الْوَالِدَةِ وَمِنْ نَفَقَةِ الْمَوْلُودِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّأْوِيلَاتِ عَلَى نَحْوِ مَا قَدْ قَدَّمْنَا ذِكْرُهُ، وَكَانَ الْجَمِيعُ مِنَ الْحِجَّةِ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مِنَ وَرَثَةِ الْمَوْلُودِ مَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ نَفَقَتِهِ وَأَجْرِ رَضَاعِهِ، وَصَحَّ بِذَلِكَ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ سَائِرَ وَرَثَتِهِ غَيْرُ آبَائِهِ، وَأُمَّهَاتِهِ، وَأَجْدَادِهِ، وَجَدَّاتِهِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ فِي حُكْمِهِ، فِي أَنَّهُمْ لَا يَلْزَمُهُمْ لَهُ نَفَقَةٌ وَلَا أَجْرُ رَضَاعٍ، إِذْ كَانَ مَوْلَى النِّعْمَةِ مِنْ وَرَثِتِهِ، وَهُوَ مِمَّنْ لَا يَلْزَمُهُ لَهُ


الصفحة التالية
Icon