فَإِنَّ أَبَا كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، عَنْ عَمَّتِهِ الْفُرَيْعَةِ ابْنَةِ مَالِكٍ، أُخْتِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَتْ: " قُتِلَ زَوْجِي وَأَنَا فِي دَارٍ، فَاسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النُّقْلَةِ، فَأَذِنَ لِي ثُمَّ نَادَانِي بَعْدَ أنْ تَوَلَّيْتُ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: «يَا فُرَيْعَةُ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ» قَالُوا: فَبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِحَّةَ مَا قُلْنَا فِي مَعْنَى تَرَبُّصِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا مَا خَالَفَهُ، قَالُوا: وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ بِخُرُوجِهِ عَنْ ظَاهِرِ التَّنْزِيلِ وَالثَّابِتُ مِنَ الْخَبَرِ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[٢٥٧]- قَالُوا: وَأَمَّا الْخَبَرُ الَّذِي رُوِيَ عَنْ أَسْمَاءَ ابْنَةِ عُمَيْسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَمْرِهِ إِيَّاهَا بِالتَّسَلُّبِ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَنْ تَصْنَعَ مَا بَدَا لَهَا، فَإِنَّهُ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى أَنْ لَا إِحْدَادَ عَلَى الْمَرْأَةِ، بَلْ إِنَّمَا دَلَّ عَلَى أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهَا بِالتَّسَلُّبِ ثَلَاثًا، ثُمَّ الْعَمَلُ بِمَا بَدَا لَهَا مِنْ لُبْسِ مَا شَاءَتْ مِنَ الثِّيَابِ مِمَّا يَحُوزُ لِلْمُعْتَدَّةِ لُبْسُهُ مِمَّا لَمْ يَكُنْ زِينَةً وَلَا تَطَيُّبًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مِنَ الثِّيَابِ مَا لَيْسَ بِزِينَةٍ وَلَا ثِيَابٍ تَسَلُّبٍ، وَذَلِكَ كَالَّذِي أَذِنَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَنْ تَلْبَسَ مِنْ ثِيَابِ الْعَصْبِ، وَبُرُودِ الْيَمَنِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا مِنِ ثِيَابِ زِينَةٍ وَلَا مِنْ ثِيَابِ تَسَلُّبٍ، وَكَذَلِكَ كُلُّ ثَوْبٍ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ صِبْغٌ بَعْدَ نَسْجِهِ مِمَّا يَصْبُغُهُ النَّاسُ لِتَزْيِينِهِ، فَإِنَّ لَهَا لُبْسَهُ؛ لِأَنَّهَا تَلْبَسُهُ غَيْرَ مُتَزَيِّنَةٍ الزِّينَةَ الَّتِي يَعْرِفُهَا النَّاسُ. فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَكَيْفَ قِيلَ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَلَمْ يَقُلْ وَعَشَرَةً؟ وَإِذْ كَانَ التَّنْزِيلُ كَذَلِكَ أَفَبِاللَّيَالِي تَعْتَدُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا الْعَشْرَ أَمْ بِالْأَيَّامِ؟ قِيلَ: بَلْ تَعْتَدُّ بِالْأَيَّامِ بِلَيَالِيهَا. فَإِنْ قَالَ: فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَكَيْفَ قِيلَ وَعَشْرًا وَلَمْ يَقُلْ وَعَشَرَةً، وَالْعَشْرُ بِغَيْرِ الْهَاءِ مِنْ عَدَدِ اللَّيَالِي دُونَ الْأَيَّامِ؟ فَإِنْ أَجَازَ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِيهِ مَا قُلْتُ، فَهَلْ تُجِيزُ عِنْدِي عَشَرَ وَأَنْتَ تُرِيدُ عَشْرَةً مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ؟ قُلْتُ: ذَلِكَ جَائِزٌ فِي عَدَدِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ، وَغَيْرُ جَائِزٍ مِثْلُهُ فِي عَدَدِ بَنِي آدَمَ مِنَ الرِّجَالِ النِّسَاءِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ فِي الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي خَاصَّةً إِذَا أَبْهَمَتِ الْعَدَدَ غَلَّبَتْ فِيهِ اللَّيَالِي، حَتَّى إِنَّهُمْ فِيمَا رُوِيَ لَنَا عَنْهُمْ لَيَقُولُونَ: صُمْنَا عَشْرًا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، لِتَغْلِيبِهِمُ اللَّيَالِيَ عَلَى الْأَيَّامِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَدَدَ عِنْدَهُمْ قَدْ جَرَى فِي ذَلِكَ بِاللَّيَالِي دُونَ الْأَيَّامِ، فَإِذَا أَظْهَرُوا مَعَ الْعَدَدِ مُفَسَّرَهُ أَسْقَطُوا مِنْ عَدَدِ الْمُؤَنَّثِ الْهَاءَ " وَأَثْبَتُوهَا فِي -[٢٥٨]- عَدَدِ الْمُذَكَّرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا﴾ [الحاقة: ٧] فَأَسْقُطَ الْهَاءَ مِنْ سَبْعٍ، وَأَثْبَتَهَا فِي الثَّمَانِيَةِ وَأَمَّا بَنُو آدَمَ، فَإِنَّ مِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ إِذَا اجْتَمَعَتِ الرِّجَالُ، وَالنِّسَاءُ ثُمَّ أَبْهَمَتْ عَدَدَهَا أَنْ تُخْرِجَهُ عَلَى عَدَدِ الذُّكْرَانِ دُونَ الْإِنَاثِ، وَذَلِكَ أَنَّ الذُّكْرَانَ مِنْ بَنِي آدَمَ مَوْسُومٌ، وَاحِدُهُمْ وَجَمْعُهُ بِغَيْرِ سِمَةِ إِنَاثِهِمْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ سَائِرُ الْأَشْيَاءِ غَيْرَهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ الذُّكُورَ مِنْ غَيْرِهِمْ رُبَّمَا وُسِمَ بِسِمَةِ الْأُنْثَى، كَمَا قِيلَ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى شَاةٌ، وَقِيلَ لِلذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ مِنَ الْبَقَرِ بَقَرٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي بَنِي آدَمَ، فَإِنْ قَالَ: فَمَا مَعْنَى زِيَادَةِ هَذِهِ الْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ عَلَى الْأَشْهُرِ؟ قِيلَ: قَدْ قِيلَ فِي ذَلِكَ فِيمَا