حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: " ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ﴾ [البقرة: ٢٣٥] أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ وَهِيَ فِي عِدَّةِ مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا: إِنَّكِ عَلَيَّ لَكَرِيمَةٌ، وَإِنِّي فِيكِ لَرَاغِبٌ، وَإِنَّ اللَّهَ سَائِقٌ إِلَيْكِ خَيْرًا وَرِزْقًا، وَنَحْوَ هَذَا مِنَ الْكَلَامِ " وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَعْنَى الْخِطْبَةِ. فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْخِطْبَةُ: الذِّكْرُ، وَالْخِطْبَةُ: التَّشَهُّدُ. وَكَأَنَّ قَائِلَ هَذَا الْقَوْلِ تَأَوَّلَ الْكَلَامَ: وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ ذِكْرِ النِّسَاءِ عِنْدَهُمْ؛ وَقَدْ زَعَمَ صَاحِبُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ قَالَ: «لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا» لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ: «لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ»، كَأَنَّهُ قَالَ: اذْكُرُوهُنَّ، وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمُ: الْخِطْبَةُ أَخْطُبُ خِطْبَةً وَخَطْبًا، قَالَ: وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ﴾ [طه: ٩٥] يُقَالُ: إِنَّهُ مِنْ هَذَا. قَالَ: وَأَمَّا الْخِطْبَةُ، فَهُوَ الْمَخْطُوبُ مِنْ قَوْلِهِمْ. خَطَبَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَاخْتَطَبَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالْخِطْبَةُ عِنْدِي هِيَ «الْفِعْلَةُ» مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: خَطَبْتُ فُلَانَةَ، -[٢٦٩]- كَالْجِلْسَةِ مِنْ قَوْلِهِ: جَلَسَ، أَوِ الْقِعْدَةِ مِنْ قَوْلِهِ: قَعَدَ. وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ: خَطَبَ فُلَانٌ فُلَانَةَ سَأَلَهَا خِطْبَةً إِلَيْهَا فِي نَفْسِهَا، وَذَلِكَ حَاجَتُهُ مِنْ قَوْلِهِمْ: مَا خَطْبُكَ؟ بِمَعْنَى: مَا حَاجَتُكَ وَمَا أَمْرُكَ؟. وَأَمَّا التَّعْرِيضُ فَهُوَ مَا كَانَ مِنْ لَحْنِ الْكَلَامِ الَّذِي يَفْهَمُ بِهِ السَّامِعُ الْفَهِمُ مَا يَفْهَمُ بِصَرِيحِهِ