ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، وَثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، جَمِيعًا، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: " صَلَّيْتُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ، الْغَدَاةَ فِي مَسْجِدِ الْبَصْرَةِ، فَقَنَتَ بِنَا قَبْلَ الرُّكُوعِ، وَقَالَ: هَذِهِ الصَّلَاةُ الْوسْطَى الَّتِي قَالَ اللَّهُ: ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة: ٢٣٨] " وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة: ٢٣٨] قَوْلُ مَنْ قَالَ: تَأْوِيلُهُ مُطِيعِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ أَصْلَ الْقُنُوتِ: الطَّاعَةُ، وَقَدْ تَكُونُ الطَّاعَةُ لِلَّهِ فِي الصَّلَاةِ بِالسُّكُوتِ عَمَّا نَهَى اللَّهُ مِنَ الْكَلَامِ فِيهَا، وَلِذَلِكَ وَجَّهَ مَنْ وَجَّهَ تَأْوِيلَ الْقُنُوتِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِلَى السُّكُوتِ فِي الصَّلَاةِ أَحَدَ الْمَعَانِي الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ فِيهَا. إِلَّا عَنْ قِرَاءَةِ قُرْآنٍ، أَوْ ذِكْرٍ لَهُ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ كَمَا وَصَفْنَا، قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وَمُجَاهِدٍ
الَّذِي حَدَّثَنَا بِهِ، أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَهْوَازِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَمُجَاهِدٍ، قَالَا: " كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِي الصَّلَاةِ، يَأْمُرُ أَحَدُهُمْ أَخَاهُ بِالْحَاجَةِ فَنَزَلَتْ ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة: ٢٣٨] قَالَ: فَقَطَعُوا الْكَلَامَ، وَالْقُنُوتُ: -[٣٨٤]- السُّكُوتُ، وَالْقُنُوتُ: الطَّاعَةُ " فَجَعَلَ إِبْرَاهِيمُ، وَمُجَاهِدٌ الْقُنُوتَ سُكُوتًا فِي طَاعَةِ اللَّهِ عَلَى مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّأْوِيلِ، وَقَدْ تَكُونُ الطَّاعَةُ لِلَّهِ فِيهَا بِالْخُشُوعِ، وَخَفْضِ الْجَنَاحِ، وَإِطالَةِ الْقِيَامِ، وَبِالدُّعَاءِ؛ لِأَنَّ كَلًّا غَيْرُ خَارِجٍ مِنْ أَحَدِ مَعْنَيَيْنِ، مِنْ أَنْ يَكُونَ مِمَّا أُمِرَ بِهِ الْمُصَلِّي، أَوْ مِمَّا نُدِبَ إِلَيْهِ، وَالْعَبْدُ بِكُلِّ ذَلِكَ لِلَّهِ مُطِيعٌ، وَهُوَ لِرَبِّهِ فِيهِ قَانِتٌ، وَالْقُنُوتُ: أَصْلُهُ الطَّاعَةُ لِلَّهِ، ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ مَا أَطَاعَ اللَّهُ بِهِ الْعَبْدَ. فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ إِذًا: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوسْطَى، وَقُومُوا لِلَّهِ فِيهَا مُطِيعِينَ بِتَرْكِ بَعْضِكُمْ فِيهَا كَلَامَ بَعْضٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَعَانِي الْكَلَامِ، سِوَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِيهَا، أَوْ ذِكْرِ اللَّهِ بِالَّذِي هُوَ أَهْلُهُ أَوْ دُعَائِهِ فِيهَا، غَيْرِ عَاصِينَ لِلَّهِ فِيهَا بِتَضْيِيعِ حُدُودِهَا، وَالتَّفْرِيطِ فِي الْوَاجِبِ لِلَّهِ عَلَيْكُمْ فِيهَا، وَفِي غَيْرِهَا مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ


الصفحة التالية
Icon