لَهَا وَجَبَ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ وَصِيَّةٍ مِنْهُ لَهَا، إِذْ كَانَ الْمَيِّتُ مُسْتَحِيلًا أَنْ يَكُونَ مِنْهُ وَصِيَّةٌ بَعْدَ وَفَاتِهِ. وَلَوْ كَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ مَنْ قَالَ: فَلْيُوصِ وَصِيَّةً، لَكَانَ التَّنْزِيلُ: وَالَّذِينَ يَحْضُرُهُمُ الْوَفَاةُ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ، كَمَا قَالَ: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ﴾ [البقرة: ١٨٠] وَبَعْدُ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا لَهُنَّ بِوَصِيَّةٍ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ الْمُتَوَفِّينَ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حَقًّا لَهُنَّ إِذَا لَمْ يُوصِ أَزْوَاجُهُنَّ لَهُنَّ قَبْلَ وَفَاتِهِمْ، وَلَكَانَ لِوَرَثَتِهِمْ إِخْرَاجُهُنَّ قَبْلَ الْحَوْلِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿غَيْرَ إِخْرَاجٍ﴾ [البقرة: ٢٤٠] وَلَكِنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا ظَنَّهُ فِي تَأْوِيلِهِ قَارِئُهُ: ﴿وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ﴾ [البقرة: ٢٤٠] بِمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ أَمَرَ أَزْوَاجَهُنَّ بِالْوَصِيَّةِ لَهُنَّ، وَإِنَّمَا تَأْوِيلُ ذَلِكَ: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا﴾ [البقرة: ٢٣٤] كَتَبَ اللَّهُ لِأَزْوَاجِهِمْ عَلَيْكُمْ وَصِيَّةً مِنْهُ لَهُنَّ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ مَنَازِلِ أَزْوَاجِهِنَّ حَوْلًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: ﴿غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ﴾ [النساء: ١٢] ثُمَّ تَرَكَ ذِكْرَ «كَتَبَ اللَّهُ» اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، وَرُفِعَتْ «الْوَصِيَّةُ» بِالْمَعْنَى الَّذِي قُلْنَا قَبْلُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَلْ يَجُوزُ نَصْبُ الْوَصِيَّةِ... لَهُنَّ وَصِيَّةٌ؟


الصفحة التالية
Icon