حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: " نَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عِدَّتَهَا عِنْدَ أَهْلِهِ تَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿غَيْرَ إِخْرَاجٍ﴾ [البقرة: ٢٤٠]
قَالَ عَطَاءٌ: " إِنْ شَاءَتِ اعْتَدَّتْ عِنْدَ أَهْلِهِ وَسَكَنَتْ فِي وَصِيَّةٍ، وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ﴾ [البقرة: ٢٤٠] قَالَ عَطَاءٌ: جَاءَ الْمِيرَاثُ بِنَسْخِ السُّكْنَى تَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ، وَلَا سُكْنَى لَهَا " وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدِي فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ كَانَ جَعَلَ لِأَزْوَاجِ مَنْ مَاتَ مِنَ الرِّجَالِ بَعْدَ مَوْتِهِمْ سُكْنَى حَوْلٍ فِي مَنْزِلِهِ، وَنَفَقَتِهَا فِي مَالِ زَوْجِهَا الْمَيِّتِ إِلَى انْقِضَاءِ السَّنَةِ. وَوَجَبَ عَلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ أَنْ لَا يُخْرِجُوهُنَّ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ مِنَ الْمَسْكَنِ الَّذِي يَسْكُنُهُ، وَإِنْ هُنَّ تَرَكْنَ حَقَّهُنَّ مِنْ ذَلِكَ وَخَرَجْنَ لَمْ تَكُنْ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ مِنْ خُرُوجِهِنَّ فِي حَرَجٍ. ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَسَخَ النَّفَقَةَ بِآيَةِ الْمِيرَاثِ، وَأَبْطَلَ مِمَّا كَانَ جَعَلَ لَهُنَّ مِنْ سُكْنَى حَوْلٍ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، وَرَدَّهُنَّ إِلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: ثنا -[٤٠٧]- حَجَّاجٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، وَأَخْبَرَهُ عَنْ عَمَّتِهِ زَيْنَبِ ابْنَةِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، عَنْ فُرَيْعَةَ، أُخْتِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: " أَنَّ زَوْجَهَا، خَرَجَ فِي طَلَبِ عَبْدٍ لَهُ، فَلَحِقَهُ بِمَكَانٍ قَرِيبٍ، فَقَاتَلَهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ أَعْبُدٌ مَعَهُ، فَقَتَلُوهُ. فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي طَلَبِ عَبْدٍ لَهُ، فَلَقِيَهُ عُلُوجٌ فَقَتَلُوهُ، وَإِنِّي فِي مَكَانٍ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ غَيْرِي، وَإِنْ أَجْمَعَ لِأَمْرِي أَنَّ أَنْتَقِلَ إِلَى أَهْلِي. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلِ امْكُثِي مَكَانَكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿مَتَاعًا﴾ [البقرة: ٢٣٦] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: جَعَلَ ذَلِكَ لَهُنَّ مَتَاعًا، أَيِ الْوَصِيَّةَ الَّتِي كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُنَّ. وَإِنَّمَا نَصَبَ «الْمَتَاعَ» لِأَنَّ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ﴾ [البقرة: ٢٤٠] مَعْنَى مَتَّعَهُنَّ اللَّهُ، فَقِيلَ: «مَتَاعًا» مَصْدَرٌ مِنْ مَعْنَاهُ، لَا مِنْ لَفْظِهِ. وَقَوْلِهِ: ﴿غَيْرَ إِخْرَاجٍ﴾ [البقرة: ٢٤٠] فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ جَعَلَ مَا جُعِلَ لَهُنَّ مِنَ الْوَصِيَّةِ مَتَاعًا مِنْهُ لَهُنَّ إِلَى الْحَوْلِ لَا إِخْرَاجًا مِنْ مَسْكَنِ زَوْجِهَا، يَعْنِي لَا إِخْرَاجَ فِيهِ مِنْهُ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْحَوْلُ، فَنَصَبَ «غَيْرَ» عَلَى النَّعْتِ لِلْمَتَاعِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: هَذَا قِيَامٌ غَيْرُ قُعُودٍ، بِمَعْنَى: هَذَا قِيَامٌ لَا قُعُودَ مَعَهُ، أَوْ لَا قُعُودَ فِيهِ. -[٤٠٨]- وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مَنْصُوبٌ بِمَعْنَى: لَا تُخْرِجُوهُنَّ إِخْرَاجًا. وَذَلِكَ خَطَأٌ مِنَ الْقَوْلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إِذَا نُصِبَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ كَانَ نَصْبُهُ مِنْ كَلَامٍ آخَرَ غَيْرِ الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَنْصُوبٌ بِمَا نَصَبَ الْمَتَاعَ عَلَى النَّعْتِ لَهُ