الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: ٢٣٦] فَقَالَ رَجُلٌ: فَإِنْ أَحْسَنْتَ فَعَلْتَ، وَإِنْ لَمْ أُرِدْ ذَلِكَ لَمْ أَفْعَلْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ٢٤١] " وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ. أَنْزَلَهَا دَلِيلًا لِعِبَادِهِ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةً؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ ذَكَرَ فِي سَائِرِ آيِ الْقُرْآنِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ مُتْعَةِ النِّسَاءِ خُصُوصًا مِنَ النِّسَاءِ، فَبَيَّنَ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَالَ فِيهَا: ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ [البقرة: ٢٣٦] وَفِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ [الأحزاب: ٤٩] مَا لَهُنَّ مِنَ الْمُتْعَةِ إِذَا طُلِّقْنَ قَبْلَ الْمَسِيسِ، وَبِقَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ﴾ [الأحزاب: ٢٨] حُكْمُ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ. وَبَقِيَ حُكْمُ الصَّبَايَا إِذَا طُلِّقْنَ بَعْدَ الِابْتِنَاءِ بِهِنَّ، وَحُكْمُ الْكَوَافِرِ، وَالْإِمَاءِ. فَعَمَّ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: ٢٤١] ذِكْرُ جَمِيعِهِنَّ، وَأَخْبَرَ بِأَنَّ لَهُنَّ الْمَتَاعَ، كَمَا أَبَانَ الْمُطَلَّقَاتِ الْمَوْصُوفَاتِ بِصِفَاتِهِنَّ فِي سَائِرِ آيِ الْقُرْآنِ، وَلِذَلِكَ كَرَّرَ ذِكْرَ جَمِيعِهِنَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ١٨٠] فَإِنَّا قَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى قَوْلِهِ «حَقًّا»، وَوَجْهُ نَصْبِهِ، وَالِاخْتِلَافُ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فِي قَوْلِهِ: ﴿حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: ٢٣٦] فَفِي ذَلِكَ مُسْتَغْنًى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. فَأَمَّا الْمُتَّقُونِ، فَهُمُ الَّذِينَ اتَّقَوُا اللَّهَ فِي أَمْرِهِ، وَنَهْيِهِ، وَحُدُودِهِ، فَقَامُوا بِهَا عَلَى -[٤١٣]- مَا كَلَّفَهُمُ الْقِيَامَ بِهِ خَشْيَةً مِنْهُمْ لَهُ، وَوَجَلًا مِنْهُمْ مِنْ عِقَابِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ تَأْوِيلِ ذَلِكَ نَصًّا بِالرِّوَايَةِ