وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لَمْ يَطْعَمْهُ﴾ [البقرة: ٢٤٩] لَمْ يَذُقْهُ، يَعْنِي: وَمَنْ لَمْ يَذُقْ مَاءَ ذَلِكَ النَّهَرِ فَهُوَ مِنِّي، يَقُولُ: هُوَ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِي وَطَاعَتِي وَالْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَبِلِقَائِهِ. ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ﴾ [البقرة: ٢٤٩] الْمُغْتَرِفِينَ بِأَيْدِيهِمْ غُرْفَةً، فَقَالَ: وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْ مَاءَ ذَلِكَ النَّهَرِ إِلَّا غُرْفَةً يَغْتَرِفُهَا بِيَدِهِ فَإِنَّهُ مِنِّي. ثُمَّ اخْتَلَفَتَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ﴾ [البقرة: ٢٤٩] فَقَرَأَهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَالْبَصْرَةِ: (غَرْفَةً) بِنَصْبِ الْغَيْنِ مِنَ الْغَرْفَةِ، بِمَعْنَى الْغَرْفَةِ الْوَاحِدَةِ، مِنْ قَوْلِكَ: اغْتَرَفْتُ غَرْفَةً، وَالْغَرْفَةُ هِيَ الْفِعْلُ بِعَيْنِهِ مِنَ الِاغْتِرَافِ. وَقَرَأَهُ آخَرُونَ بِالضَّمِ، بِمَعْنَى: الْمَاءِ الَّذِي يَصِيرُ فِي كَفِّ الْمُغْتَرِفِ، فَالْغُرْفَةُ الِاسْمُ، وَالْغَرْفَةُ الْمَصْدَرُ. وَأَعْجَبُ الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ إِلَيَّ ضَمُّ الْغَيْنِ فِي الْغُرْفَةِ بِمَعْنَى: إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ، لِاخْتِلَافِ غَرْفَةٍ إِذَا فُتِحَتْ غَيْنُهَا، وَمَا هِيَ لَهُ مَصْدَرٌ؛ وَذَلِكَ أَنَّ مَصْدَرَ اغْتَرَفَ اغْتَرَافَةً، وَإِنَّمَا غَرْفَةٌ مَصْدَرُ غَرَفْتُ، فَلَمَّا كَانَتْ غَرْفَةٌ مُخَالَفَةً مَصْدَرَ اغْتَرَفَ، كَانَتِ الْغُرْفَةُ الَّتِي بِمَعْنَى الِاسْمِ عَلَى مَا قَدْ وَصَفْنَا أَشْبَهَ مِنْهَا بِالْغُرْفَةِ الَّتِي هِيَ بِمَعْنَى الْفِعْلِ وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ عَامَّتَهُمْ شَرَبُوا مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، فَكَانَ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ عَطِشَ، وَمَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً رُوِيَ


الصفحة التالية