حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " لَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، قَالَ الَّذِينَ شَرِبُوا: ﴿لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ﴾ [البقرة: ٢٤٩] " وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَهُ السُّدِّيُّ؛ وَهُوَ أَنَّهُ جَاوَزَ النَّهَرَ مَعَ طَالُوتَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي لَمْ يَشْرَبْ مِنَ النَّهَرِ إِلَّا الْغُرْفَةَ، وَالْكَافِرُ الَّذِي شَرِبَ مِنْهُ الْكَثِيرُ. ثُمَّ وَقَعَ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِرُؤْيَةِ جَالُوتَ وَلِقَائِهِ، وَانْخَزَلَ عَنْهُ أَهْلُ الشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ، وَهُمُ الَّذِينَ قَالُوا: ﴿لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ﴾ [البقرة: ٢٤٩] وَمَضَى أَهْلُ الْبُصَيْرَةِ بِأَمْرِ اللَّهِ عَلَى بَصَائِرِهِمْ، وَهُمْ أَهْلُ الثَّبَاتِ عَلَى الْإِيمَانِ، فَقَالُوا: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٤٩]. فَإِنْ ظَنَّ ذُو غَفْلَةٍ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ جَاوَزَ النَّهَرَ مَعَ طَالُوتَ إِلَّا أَهْلُ الْإِيمَانِ الَّذِينَ ثَبَتُوا مَعَهُ عَلَى إِيمَانِهِمْ، وَمَنْ لَمْ يَشْرَبْ مِنَ النَّهَرِ إِلَّا الْغُرْفَةَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَالَ: ﴿فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾ [البقرة: ٢٤٩] فَكَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ لَمْ يُجَاوِزْ مَعَهُ إِلَّا أَهْلُ الْإِيمَانِ، عَلَى مَا رُوِيَ بِهِ الْخَبَرُ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، وَلَأَنَّ أَهْلَ الْكُفْرِ لَوْ كَانُوا جَاوَزُوا النَّهَرَ كَمَا جَاوَزَهُ أَهْلُ الْإِيمَانِ لَمَا خَصَّ اللَّهُ بِالذِّكْرِ فِي ذَلِكَ أَهْلَ الْإِيمَانِ؛ فَإِنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا ظَنَّ. وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ أَنْ يَكُونَ الْفَرِيقَانِ، أَعِنِّي فَرِيقَ الْإِيمَانِ وَفَرِيقَ الْكُفْرِ جَاوَزُوا النَّهَرَ، وَأَخْبَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْمُجَاوَزَةِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا مِنَ الَّذِينَ جَاوَزُوهُ مَعَ مَلِكِهِمْ وَتَرَكَ ذِكْرَ أَهْلِ الْكُفْرِ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ جَاوَزُوا النَّهَرَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ.


الصفحة التالية
Icon