وَهُوَ مَا: حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: ثني عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلٍ، أَنَّهُ، سَمِعَ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ، قَالَ: " لَمَّا سَلَّمَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ الْمُلْكَ لِطَالُوتَ أُوحِيَ إِلَى نَبِيِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ قُلْ لِطَالُوتَ: فَلْيَغْزُ أَهْلَ مَدْيَنَ، فَلَا يَتْرُكُ فِيهَا حَيًّا إِلَّا قَتَلَهُ، فَإِنِّي سَأُظْهِرُهُ عَلَيْهِمْ فَخَرَجَ بِالنَّاسِ حَتَّى أَتَى مَدْيَنَ، فَقَتَلَ مَنْ كَانَ فِيهَا إِلَّا مَلِكَهُمْ، فَإِنَّهُ أَسَرَهُ، وَسَاقَ مَوَاشِيَهُمْ. فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى أشمويل: أَلَّا تَعْجَبُ مِنْ طَالُوتَ إِذْ أَمَرْتُهُ فَاخْتَانَ فِيهِ، فَجَاءَ بِمَلِكِهِمْ أَسِيرًا، وَسَاقَ مَوَاشِيَهُمْ، فَالْقَهُ فَقُلْ لَهُ: لَأَنْزَعَنَّ الْمُلْكَ مِنْ بَيْتِهِ، ثُمَّ لَا -[٥٠٣]- يَعُودُ فِيهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَإِنِّي إِنَّمَا أُكْرِمُ مَنْ أَطَاعَنِي، وَأُهِينُ مَنْ هَانَ عَلَيْهِ أَمْرِي فَلَقِيَهُ، فَقَالَ مَا صَنَعْتَ؟ لِمَ جِئْتَ بِمَلِكِهِمْ أَسِيرًا، وَلِمَ سُقْتَ مَوَاشِيَهُمْ؟ قَالَ: إِنَّمَا سُقْتُ الْمَوَاشِيَ لِأُقَرِّبَهَا قَالَ لَهُ أشمويل: إِنَّ اللَّهَ قَدْ نَزَعَ مِنْ بَيْتِكَ الْمُلْكَ، ثُمَّ لَا يَعُودُ فِيهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى أشمويل أَنِ انْطَلِقْ إِلَى إِيشَا، فَيَعْرِضُ عَلَيْكَ بَنِيهِ، فَادَّهِنِ الَّذِي آمُرُكَ بِدُهْنِ الْقُدْسِ يَكُنْ مَلِكًا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى إِيشَا، فَقَالَ: اعْرِضْ عَلَيَّ بَنِيكَ فَدَعَا إِيِشَا أَكْبَرَ وَلَدِهِ، فَأَقْبَلَ رَجُلٌ جَسِيمٌ حَسَنُ الْمَنْظَرِ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ أشمويل أَعْجَبَهُ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَبَصِيرٌ بِالْعِبَادِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: إِنَّ عَيْنَيْكَ تُبْصِرَانِ مَا ظَهَرَ، وَإِنِّي أَطَّلِعُ عَلَى مَا فِي الْقُلُوبِ لَيْسَ بِهَذَا، اعْرِضْ عَلَيَّ غَيْرَهُ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ سِتَّةً فِي كُلِّ ذَلِكَ يَقُولُ: لَيْسَ بِهَذَا، فَقَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ وَلَدٍ غَيْرَهُمْ؟ فَقَالَ: بُنِيَّ لِي غُلَامٌ وَهُوَ رَاعٍ فِي الْغَنَمِ. فَقَالَ: أَرْسِلْ إِلَيْهِ فَلَمَّا أَنْ جَاءَ دَاوُدُ جَاءَ غُلَامٌ أَمْعَرُ، فَدَهَنَهُ بِدُهْنِ الْقُدْسِ، وَقَالَ لِأَبِيهِ: اكْتُمْ هَذَا، فَإِنَّ طَالُوتَ لَوْ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ قَتَلَهُ؛ فَسَارَ جَالُوتُ فِي قَوْمِهِ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَعَسْكَرَ وَسَارَ طَالُوتُ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَعَسْكَرَ، وَتَهَيَّئُوا لِلْقِتَالِ، فَأَرْسَلَ جَالُوتُ إِلَى طَالُوتَ: لِمَ تَقْتُلْ قَوْمِي وَأَقْتُلُ قَوْمَكَ؟ أَبْرِزْ لِي أَوْ أَبْرِزْ لِي مَنْ شِئْتَ، فَإِنْ قَتَلْتُكَ كَانَ الْمُلْكُ لِي، وَإِنْ قَتَلْتَنِي كَانَ الْمُلْكُ لَكَ فَأَرْسَلَ طَالُوتُ فِي عَسْكَرِهِ صَائِحًا مَنْ يَبْرُزُ لِجَالُوتَ، فَإِنْ قَتَلَهُ، فَإِنَّ الْمَلِكَ يُنْكِحُهُ ابْنَتَهُ، وَيُشْرِكُهُ فِي -[٥٠٤]- مِلْكِهِ. فَأَرْسَلَ إِيشَا دَاوُدَ إِلَى إِخْوَتِهِ وَكَانُوا فِي الْعَسْكَرِ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَرُدَّ إِخْوَتَكَ، وَأَخْبِرْنِي خَبَرَ النَّاسِ مَاذَا صَنَعُوا. فَجَاءَ إِلَى إِخْوَتِهِ، وَسَمِعَ صَوْتًا: إِنَّ الْمَلِكَ يَقُولُ: مَنْ يَبْرُزُ لِجَالُوتَ فَإِنْ قَتَلَهُ أَنْكَحَهُ الْمَلِكُ ابْنَتَهُ. فَقَالَ دَاوُدُ لِإِخْوَتِهِ: مَا مِنْكُمْ رَجُلٌ يَبْرُزَ لِجَالُوتَ فَيَقْتُلُهُ، وَيَنْكِحُ ابْنَةَ الْمَلِكِ؟ فَقَالُوا: إِنَّكَ غُلَامٌ أَحْمَقُ، وَمَنْ يُطِيقُ جَالُوتَ وَهُوَ مِنْ بَقِيَّةِ الْجَبَّارِينَ؟ فَلَمَّا لَمْ يَرَهُمْ رَغِبُوا فِي ذَلِكَ، قَالَ: فَأَنَا أَذْهَبُ فَأَقْتُلُهُ فَانْتَهَرُوهُ وَغَضِبُوا عَلَيْهِ. فَلَمَّا غَفَلُوا عَنْهُ، ذَهَبَ حَتَّى جَاءَ الصَّائِحُ، فَقَالَ: أَنَا أَبْرُزُ لِجَالُوتَ. فَذُهِبَ بِهِ إِلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ: لَمْ يُجِبْنِي أَحَدٌ إِلَّا غُلَامٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ هُوَ هَذَا؟ قَالَ: يَا بُنَيَّ أَنْتَ تَبْرُزُ لِجَالُوتَ فَتُقَاتِلُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَهَلْ آنَسْتَ مِنْ نَفْسِكَ شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ، كُنْتُ رَاعِيًا فِي الْغَنَمِ، فَأَغَارَ عَلَيَّ الْأَسَدُ، فَأَخَذْتُ بِلِحْيَيْهِ فَفَكَكْتُهُمَا. فَدَعَا لَهُ بِقَوْسٍ، وَأَدَاةٍ كَامِلَةٍ، فَلَبِسَهَا وَرَكِبَ الْفَرَسَ، ثُمَّ سَارَ مِنْهُمْ قَرِيبًا. ثُمَّ صَرَفَ فَرَسَهُ، فَرَجَعَ إِلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ الْمَلِكُ وَمَنْ حَوْلَهُ: جَبُنَ الْغُلَامُ فَجَاءَ فَوَقَفَ عَلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ دَاوُدُ: إِنْ لَمْ يَقْتُلْهُ اللَّهُ لِي لَمْ يَقْتُلْهُ هَذَا الْفَرَسُ وَهَذَا السِّلَاحُ، فَدَعْنِي فَأُقَاتِلَ كَمَا أُرِيدُ. فَقَالَ: نَعَمْ يَا بُنَيَّ. فَأَخَذَ دَاوُدُ مِخْلَاتَهُ، فَتَقَلَّدَهَا وَأَلْقَى فِيهَا أَحْجَارًا، وَأَخَذَ مِقْلَاعَهُ الَّذِي كَانَ يَرْعَى بِهِ. ثُمَّ مَضَى نَحْوَ جَالُوتَ؛ فَلَمَّا دَنَا مِنْ عَسْكَرِهِ، قَالَ: أَيْنَ جَالُوتُ يَبْرُزُ لِي؟ فَبَرَزَ لَهُ عَلَى فَرَسٍ عَلَيْهِ السِّلَاحُ كُلُّهُ، فَلَمَّا رَآهُ جَالُوتُ قَالَ: إِلَيْكَ أَبْرُزُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَتَيْتَنِي -[٥٠٥]- بِالْمِقْلَاعِ وَالْحَجَرِ كَمْ يُؤْتَى إِلَى الْكَلْبِ؟ قَالَ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: لَا جَرَمَ إِنِّي سَوْفَ أُقَسِّمُ لَحْمَكَ بَيْنَ طَيْرِ السَّمَاءِ وَسِبَاعِ الْأَرْضِ. قَالَ دَاوُدُ: أَوْ يُقَسِّمُ اللَّهُ لَحْمَكَ. فَوَضَعَ دَاوُدُ حَجَرًا فِي مِقْلَاعِهِ، ثُمَّ دَوَّرَهُ فَأَرْسَلَهُ نَحْوَ جَالُوتَ، فَأَصَابَ أَنْفَ الْبَيْضَةِ الَّتِي عَلَى جَالُوتَ حَتَّى خَالَطَ دِمَاغُهُ، فَوَقَعَ مِنْ فَرَسِهِ، فَمَضَى دَاوُدُ إِلَيْهِ، فَقَطَعَ رَأْسَهُ بِسَيْفِهِ، فَأَقْبَلَ بِهِ فِي مِخْلَاتِهِ، وَبِسَلَبِهِ يَجُرُّهُ، حَتَّى أَلْقَاهُ بَيْنَ يَدَيْ طَالُوتَ، فَفَرِحُوا فَرَحًا شَدِيدًا، وَانْصَرَفَ طَالُوتُ. فَلَمَّا كَانَ دَاخِلَ الْمَدِينَةِ، سَمِعَ النَّاسَ يَذْكُرُونَ دَاوُدَ، فَوَجَدَ فِي نَفْسِهِ، فَجَاءَهُ دَاوُدُ، فَقَالَ: أَعْطِنِي امْرَأَتِي فَقَالَ: أَتُرِيدُ ابْنَةَ الْمَلِكِ بِغَيْرِ صَدَاقٍ؟ فَقَالَ دَاوُدُ: مَا اشْتَرَطْتَ عَلَيَّ صَدَاقًا، وَمَا لِي مِنْ شَيْءٍ. قَالَ: لَا أُكَلِّفُكَ إِلَّا مَا تُطِيقُ، أَنْتَ رَجُلٌ جَرِيءٌ، وَفِي جِبَالِنَا هَذِهِ جَرَاجِمَةٌ يَحْتَرِبُونَ النَّاسَ وَهُمْ غُلْفٌ، فَإِذَا قَتَلْتَ مِنْهُمْ مِائَتَيْ رَجُلً، فَأْتِنِي بِغُلَفِهِمْ. فَجَعَلَ كُلَّمَا قَتَلَ مِنْهُمْ رَجُلًا نَظَمَ غُلْفَتَهْ فِي خَيْطٍ، حَتَّى نَظَمَ مِائَتَيْ غُلْفَةٍ، ثُمَّ جَاءَ بِهِمْ إِلَى طَالُوتَ، فَأَلْقَى إِلَيْهِ، فَقَالَ: ادْفَعْ لِي امْرَأَتِي قَدْ جِئْتُ بِمَا اشْتَرَطْتَ فَزَوَّجَهُ ابْنَتَهُ. وَأَكْثَرُ النَّاسِ ذَكَرَ دَاوُدَ، وَزَادَهُ عِنْدَ النَّاسِ عَجَبًا، فَقَالَ طَالُوتُ لِابْنِهِ: لَتَقْتُلَنَّ دَاوُدَ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ لَيْسَ بِأَهْلِ ذَلِكَ مِنْكَ قَالَ: إِنَّكَ غُلَامٌ أَحْمَقُ، مَا أُرَاهُ إِلَّا سَوْفَ يُخْرِجُكَ وَأَهْلَ بَيْتِكَ مِنَ الْمُلْكِ. فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ أَبِيهِ، انْطَلَقَ إِلَى أُخْتِهِ، فَقَالَ لَهَا: إِنِّي قَدْ خِفْتُ أَبَاكِ أَنْ يَقْتُلَ زَوْجَكِ دَاوُدَ، فَمُرِيهِ أَنْ يَأْخُذَ حِذْرَهُ، وَيَتَغَيَّبَ مِنْهُ. فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ ذَلِكَ فَتَغَيَّبَ. فَلَمَّا أَصْبَحَ أَرْسَلَ طَالُوتُ مَنْ يَدْعُو لَهُ -[٥٠٦]- دَاوُدَ، وَقَدْ صَنَعَتِ امْرَأَتُهُ عَلَى فِرَاشِهِ كَهَيْئَةِ النَّائِمِ وَلَحَّفَتْهُ. فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ طَالُوتَ قَالَ: أَيْنَ دَاوُدُ؟ لِيُجِبِ الْمَلِكَ فَقَالَتْ لَهُ: بَاتَ شَاكِيًا وَنَامَ الْآنَ تَرَوْنَهُ عَلَى الْفِرَاشِ. فَرَجَعُوا إِلَى طَالُوتَ فَأَخْبَرُوهُ ذَلِكَ، فَمَكَثَ سَاعَةً ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: هُوَ نَائِمٌ لَمْ يَسْتَيْقِظْ بَعْدُ. فَرَجَعُوا إِلَى الْمَلِكِ فَقَالَ: ائْتُونِي بِهِ وَإِنْ كَانَ نَائِمًا فجَاءُوا إِلَى الْفِرَاشِ، فَلَمْ يَجِدُوا عَلَيْهِ أَحَدًا. فجَاءُوا الْمَلِكَ فَأَخْبَرُوهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى ابْنَتِهِ فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تَكْذِبِينِي؟ قَالَتْ: هُوَ أَمَرَنِي بِذَلِكَ، وَخِفْتُ إِنْ لَمْ أَفْعَلْ أَمْرَهُ أَنْ يَقْتُلَنِيَ. وَكَانَ دَاوُدُ فَارًّا فِي الْجَبَلِ حَتَّى قُتِلَ طَالُوتُ، وَمُلِّكَ دَاوُدُ بَعْدَهُ "


الصفحة التالية