حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: " عَبَرَ يَوْمَئِذٍ النَّهَرَ مَعَ طَالُوتَ أَبُو دَاوُدَ فِيمَنْ عَبَرَ مَعَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ ابْنًا لَهُ، وَكَانَ دَاوُدُ أَصْغَرَ بَنِيهِ. فَأَتَاهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: يَا أَبَتَاهُ مَا أَرْمِي بِقَذَافَتِي شَيْئًا إِلَّا صَرَعْتُهُ. فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا بُنَيَّ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ رِزْقَكَ فِي قَذَافَتِكَ ثُمَّ أَتَاهُ مَرَّةً أُخْرَى قَالَ: يَا أَبَتَاهُ لَقَدْ دَخَلْتُ بَيْنَ الْجِبَالِ، فَوَجَدْتُ أَسَدًا رَابِضًا، فَرَكِبْتُ عَلَيْهِ، فَأَخَذْتُ بِأُذُنَيْهِ، فَلَمْ يُهِجْنِي. قَالَ: أَبْشِرْ يَا بُنَيَّ، فَإِنَّ هَذَا خَيْرٌ يُعْطِيكَهُ اللَّهُ ثُمَّ أَتَاهُ يَوْمًا آخَرَ فَقَالَ: يَا أَبَتَاهُ إِنِّي لَأَمْشِي بَيْنَ الْجِبَالِ، فَأُسَبِّحُ، فَمَا يَبْقَى جَبَلٌ إِلَّا سَبَّحَ مَعِي. فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا بُنَيَّ، فَإِنَّ هَذَا خَيْرٌ أَعْطَاكَهُ اللَّهُ وَكَانَ دَاوُدُ رَاعِيًا، وَكَانَ أَبُوهُ خَلَّفَهُ يَأْتِي إِلَيْهِ وَإِلَى إِخْوَتِهِ بِالطَّعَامِ. فَأُتِيَ النَّبِيُّ بِقَرْنٍ فِيهِ دُهْنٌ وَبِثَوْبٍ مِنْ حَدِيدٍ، فَبَعَثَ بِهِ إِلَى طَالُوتَ، فَقَالَ: إِنَّ صَاحِبَكُمُ الَّذِي يَقْتُلُ جَالُوتَ يُوضَعُ هَذَا الْقَرْنُ عَلَى رَأْسِهِ فَيَغْلِي حَتَّى يَدَّهِنَ مِنْهُ وَلَا يَسِيلُ عَلَى وَجْهِهِ، يَكُونُ عَلَى رَأْسِهِ كَهَيْئَةِ الْإِكْلِيلِ، وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الثَّوْبِ فَيَمْلَؤُهُ. فَدَعَا طَالُوتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَجَرَّبَهُمْ، فَلَمْ يُوَافِقْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ. فَلَمَّا فَرَغُوا، قَالَ طَالُوتُ لِأَبِي دَاوُدَ: هَلْ بَقِيَ لَكَ مِنْ وَلَدٍ لَمْ يَشْهَدْنَا؟ قَالَ: نَعَمْ، بَقِيَ ابْنِي دَاوُدُ، وَهُوَ يَأْتِينَا بِطَعَامِنَا. فَلَمَّا أَتَاهُ دَاوُدُ مَرَّ فِي الطَّرِيقِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، فَكَلَّمْنَهُ، وَقُلْنَ لَهُ: خُذْنَا يَا دَاوُدُ تَقْتُلُ بِنَا جَالُوتَ قَالَ: فَأَخَذَهُنَّ فَجَعَلَهُنَّ فِي مِخْلَاتِهِ. وَكَانَ طَالُوتُ قَالَ: مَنْ قَتَلَ جَالُوتَ زَوَّجْتُهُ ابْنَتِي، وَأَجْرَيْتُ خَاتَمَهُ فِي مُلْكِي. فَلَمَّا جَاءَ دَاوُدُ وَضَعُوا الْقَرْنَ عَلَى رَأْسِهِ، فَغَلَى حَتَّى ادَّهَنَ مِنْهُ، وَلَبِسَ الثَّوْبَ فَمَلَأَهُ، وَكَانَ رَجُلًا مِسْقَامًا مُصْفَارًّا، وَلَمْ يَلْبَسْهُ أَحَدٌ إِلَّا تَقَلْقَلَ فِيهِ. فَلَمَّا لَبِسَهُ دَاوُدُ تَضَايَقَ -[٥٠٨]- الثَّوْبُ عَلَيْهِ حَتَّى تَنَقَّضَ. ثُمَّ مَشَى إِلَى جَالُوتَ، وَكَانَ جَالُوتُ مِنْ أَجْسَمَ النَّاسِ وَأَشَدِّهِمْ؛ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى دَاوُدَ قُذِفَ فِي قَلْبِهِ الرُّعْبُ مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ: يَا فَتًى ارْجِعْ فَإِنِّي أَرْحَمُكَ أَنْ أَقَتُلَكَ قَالَ دَاوُدُ: لَا، بَلْ أَنَا أَقْتُلُكَ. فَأَخْرَجَ الْحِجَارَةَ فَجَعَلَهَا فِي الْقَذَافَةِ، كُلَّمَا رَفَعَ حَجَرًا سَمَّاهُ، فَقَالَ: هَذَا بِاسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَالثَّانِيَ بِاسْمِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَالثَّالِثَ بِاسْمِ أَبِي إِسْرَائِيلَ. ثُمَّ أَدَارَ الْقَذَافَةَ فَعَادَتِ الْأَحْجَارُ حَجَرًا وَاحِدًا، ثُمَّ أَرْسَلَهُ فَصَكَّ بِهِ بَيْنَ عَيْنِي جَالُوتَ، فَنَقَبَ رَأْسَهُ فَقَتَلَهُ. ثُمَّ لَمْ تَزَلْ تَقْتُلُ كُلَّ إِنْسَانٍ تُصِيبُهُ تَنْفُذُ مِنْهُ، حَتَّى لَمْ يَكُنْ بِحِيَالِهَا أَحَدٌ. فَهَزَمُوهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ، وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ. وَرَجَعَ طَالُوتُ، فَأَنْكَحَ دَاوُدَ ابْنَتَهُ، وَأَجْرَى خَاتَمَهُ فِي مُلْكِهِ؛ فَمَالَ النَّاسُ إِلَى دَاوُدَ فَأَحَبُّوهُ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ طَالُوتُ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ وَحَسَدَهُ، فَأَرَادَ قَتْلَهُ. فَعَلِمَ بِهِ دَاوُدُ أَنَّهُ يُرِيدُ بِهِ ذَلِكَ، فَسَجَّى لَهُ زِقَّ خَمْرٍ فِي مَضْجَعِهِ، فَدَخَلَ طَالُوتُ إِلَى مَنَامِ دَاوُدَ، وَقَدْ هَرَبَ دَاوُدُ فَضَرَبَ الزِّقَّ ضَرْبَةً فَخَرَقَهُ، فَسَالَتِ الْخَمْرُ مِنْهُ، فَوَقَعَتْ قَطْرَةٌ مِنْ خَمْرٍ فِي فِيهِ، فَقَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ دَاوُدَ مَا كَانَ أَكْثَرَ شُرْبِهِ لِلْخَمْرِ ثُمَّ إِنَّ دَاوُدَ أَتَاهُ مِنَ الْقَابِلَةِ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ نَائِمٌ، فَوَضَعَ سَهْمَيْنِ عِنْدَ رَأْسِهِ وَعِنْدَ رِجْلَيْهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ سَهْمَيْنِ؛ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ طَالُوتُ بَصُرَ بِالسِّهَامِ فَعَرَفَهَا، فَقَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ دَاوُدَ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، ظَفِرْتُ بِهِ فَقَتَلْتُهُ، وَظَفِرَ بِي فَكَفَّ عَنِّي. ثُمَّ إِنَّهُ رَكِبَ يَوْمًا فَوَجَدَهُ يَمْشِي فِي الْبَرِيَّةِ وَطَالُوتُ عَلَى فَرَسٍ، فَقَالَ طَالُوتُ: الْيَوْمَ أَقْتُلُ دَاوُدَ وَكَانَ دَاوُدُ إِذَا فَزِعَ لَا يُدْرَكُ، فَرَكَضَ عَلَى أَثَرِهِ طَالُوتُ، فَفَزِعَ دَاوُدُ، فَاشْتَدَّ فَدَخَلَ غَارًا، وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْعَنْكَبُوتِ فَضَرَبَتْ عَلَيْهِ بَيْتًا؛ فَلَمَّا انْتَهَى طَالُوتُ إِلَى الْغَارِ نَظَرَ إِلَى بِنَاءِ الْعَنْكَبُوتِ، -[٥٠٩]- فَقَالَ: لَوْ كَانَ دَخَلَ هَا هُنَا لَخَرَقَ بَيْتَ الْعَنْكَبُوتِ، فَخُيِّلَ إِلَيْهِ فَتَرَكَهُ "