قَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: «اللَّهُ» وَأَمَّا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ [البقرة: ١٦٣] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: النَّهْي عَنْ أَنْ يُعْبَدَ شَيْءٌ غَيْرُ اللَّهِ الْحَيِّ الْقَيُّومِ الَّذِي صِفَتُهُ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ. يَقُولُ: ﴿اللَّهُ﴾ [الفاتحة: ١] الَّذِي لَهُ عِبَادَةُ الْخَلْقِ ﴿الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [البقرة: ٢٥٥] لَا إِلَهَ سِوَاهُ، لَا مَعْبُودَ سِوَاهُ، يَعْنِي: وَلَا تَعْبُدُوا شَيْئًا سِوَى الْحَيِّ الْقَيُّومِ الَّذِي لَا تَأْخُذُهُ سِنَهٌ وَلَا نَوْمٌ، وَالَّذِي صِفَتُهُ مَا وُصِفَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَهَذِهِ الْآيَةُ إِبَانَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ عَمَّا جَاءَتْ بِهِ أَقْوَالُ الْمُخْتَلِفِينَ فِي الْبَيِّنَاتِ مِنْ بَعْدِ الرُّسُلِ الَّذِينَ أَخْبَرَنَا تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّهُ فَضَّلَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَاقْتَتَلُوا فِيهِ كُفْرًا بِهِ مِنْ بَعْضٍ، وَإِيمَانًا بِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِلتَّصْدِيقِ بِهِ وَوَفَّقَنَا لِلْإِقَرَارِ بِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿الْحَيُّ﴾ [البقرة: ٢٥٥] فَإِنَّهُ يَعْنِي: الَّذِي لَهُ الْحَيَاةُ الدَّائِمَةُ وَالْبَقَاءُ الَّذِي لَا أَوَّلَ لَهُ يُحَدُّ، وَلَا آخِرُ لَهُ يُؤْمَدُ، إِذْ كَانَ كُلُّ مَا سِوَاهُ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ حَيًّا فَلِحَيَاتِهِ أَوَّلٌ مَحْدُودٌ وَآخِرٌ مَمْدُودٌ، يَنْقَطِعُ بِانْقِطَاعِ أَمَدِهَا وَيَنْقَضِي بِانْقِضَاءِ غَايَتِهَا. وَبِمَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ


الصفحة التالية
Icon