وَلَا تَنَالُهُ الْعَاهَاتُ، وَذَلِكَ أَنَّ السِّنَةَ وَالنَّوْمَ مَعْنَيَانِ يَغْمُرَانِ فَهْمَ ذِي الْفَهْمِ، وَيُزِيلَانِ مَنْ أَصَابَاهُ عَنِ الْحَالِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَاهُ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْنَا: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، الْقَيُّومُ عَلَى كُلِّ مَا هُوَ دُونَهُ بِالرِّزْقِ وَالْكَلَاءَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالتَّصْرِيفِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ، لَا يُغَيِّرُهُ مَا يُغَيِّرُ غَيْرَهُ، وَلَا يُزِيلُهُ عَمَّا لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ تَنَقُّلُ الْأَحْوَالِ وَتَصْرِيفُ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ، بَلْ هُوَ الدَّائِمُ عَلَى حَالٍ، وَالْقَيُّومُ عَلَى جَمِيعِ الْأَنَامِ، لَوْ نَامَ كَانَ مَغْلُوبًا مَقْهُورًا؛ لِأَنَّ النَّوْمَ غَالِبُ النَّائِمِ قَاهِرُهُ، وَلَوْ وَسَنْ لَكَانَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَا فِيهِمَا دَكًّا؛ لِأَنَّ قِيَامَ جَمِيعِ ذَلِكَ بِتَدْبِيرِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَالنَّوْمُ شَاغِلُ الْمُدَبَّرِ عَنِ التَّدْبِيرِ، وَالنُّعَاسُ مَانِعُ الْمُقَدِّرِ عَنِ التَّقْدِيرِ بِوَسَنِهِ
كَمَا: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: " ﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾ [البقرة: ٢٥٥] أَنَّ مُوسَى سَأَلَ الْمَلَائِكَةَ: هَلْ يَنَامُ اللَّهُ؟ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْمَلَائِكَةِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُؤَرِّقُوهُ ثَلَاثًا فَلَا يَتْرُكُوهُ يَنَامُ، فَفَعَلُوا، ثُمَّ أَعْطُوهُ قَارُورَتَيْنِ فَأَمْسَكُوهُ، ثُمَّ تَرَكُوهُ وَحَذَّرُوهُ أَنْ يَكْسِرَهُمَا، قَالَ: فَجَعَلَ يَنْعَسُ وَهُمَا فِي يَدَيْهِ، فِي كُلِّ يَدٍ وَاحِدَةٌ. قَالَ: فَجَعَلَ يَنْعَسُ وَيَنْتَبِهُ، وَيَنْعَسُ وَيَنْتَبِهُ، حَتَّى نَعَسَ نَعْسَةً، فَضَرَبَ بِإِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى فَكَسَرَهُمَا " قَالَ مَعْمَرٌ: إِنَّمَا هُوَ مَثَلٌ -[٥٣٤]- ضَرَبَهُ اللَّهُ، يَقُولُ: فَكَذَلِكَ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ فِي يَدَيْهِ