حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا﴾ [البقرة: ٢٥٩] قَالَ: كَانَ نَبِيًّا وَكَانَ اسْمُهُ إِرْمِيَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ، مِثْلَهُ
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي بَكْرُ بْنُ مُضَرَ، قَالَ: " يَقُولُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ: إِنَّهُ إِرْمِيَا " وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَجَّبَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ قَالَ إِذْ رَأَى قَرْيَةً خَاوِيَةً عَلَى عُرُوشِهَا: ﴿أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [البقرة: ٢٥٩] مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ ابْتَدَأَ خَلْقَهَا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ، فَلَمْ يُقْنِعْهُ عِلْمُهُ بِقُدْرَتِهِ عَلَى ابْتِدَائِهَا، حَتَّى قَالَ: أَنَّى يُحْيِيهَا هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا؟ وَلَا بَيَانَ عِنْدَنَا مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي يَصِحُّ مِنْ قِبَلِهِ الْبَيَانُ عَلَى اسْمِ قَائِلِ ذَلِكَ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عُزَيْرًا، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ إِرْمِيَا، وَلَا حَاجَةَ بِنَا إِلَى مَعْرِفَةِ اسْمِهِ، إِذْ لَمْ يَكُنِ الْمَقْصُودُ بِالْآيَةِ تَعْرِيفَ الْخَلْقِ اسْمَ قَائِلِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ بِهَا تَعْرِيفُ الْمُنْكِرِينَ قُدْرَةَ اللَّهِ عَلَى إِحْيَائِهِ خَلْقَهُ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ، وَإِعَادَتِهِمْ بَعْدَ -[٥٨٢]- فَنَائِهِمْ، وَأَنَّهُ الَّذِي بِيَدِهِ الْحَيَاةُ وَالْمَوْتُ مِنْ قُرَيْشٍ، وَمَنْ كَانَ يُكَذِّبُ بِذَلِكَ مِنْ سَائِرِ الْعَرَبِ، وَتَثْبِيتُ الْحُجَّةِ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ كَانَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ مُهَاجَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَهُودِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِإِطْلَاعِهِ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا يُزِيلُ شَكَّهُمْ فِي نُبُوَّتِهِ، وَيَقْطَعُ عُذْرَهُمْ فِي رِسَالَتِهِ، إِذْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَنْبَاءُ الَّتِي أَوْحَاهَا إِلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِتَابِهِ مِنَ الْأَنْبَاءِ الَّتِي لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهَا مُحَمَّدُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْمُهُ، وَلَمْ يَكُنْ عِلْمُ ذَلِكَ إِلَّا عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلَمْ يَكُنْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْمُهُ مِنْهُمْ، بَلْ كَانَ أُمِّيًّا وَقَوْمُهُ أُمِّيُّونَ، فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا بَيْنَ ظَهْرَانَيْ مُهَاجَرِهِ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ إِلَّا بِوَحْي مِنَ اللَّهِ إِلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ الْخَبَرَ عَنِ اسْمِ قَائِلِ ذَلِكَ لَكَانَتِ الدَّلَالَةُ مَنْصُوبَةً عَلَيْهِ نَصَبًا يَقْطَعُ الْعُذْرَ وَيُزِيلُ الشَّكَّ، وَلَكِنَّ الْقَصْدَ كَانَ إِلَى ذَمِّ قِيلِهِ، فَأَبَانَ تَعَالَى ذِكْرُهُ ذَلِكَ لِخَلْقِهِ


الصفحة التالية
Icon