ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: (كَيْفَ نُنْشِرُهَا) قَالَ: «انْظُرْ إِلَيْهَا حِينَ يُحْيِيهَا اللَّهُ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِرُهَا) قَالَ: «كَيْفَ نُحْيِيهَا» ؟ وَاحْتَجَّ بَعْضُ قُرَّاءِ ذَلِكَ بِالرَّاءِ وَضَمِّ نُونِ أَوَّلِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ﴾ [عبس: ٢٢] فَرَأَى أَنَّ مِنَ الصَّوَابِ إِلْحَاقَ قَوْلِهِ: (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِرُهَا) بِهِ، وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ: (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نَنْشُرُهَا) بِفَتْحِ النُّونِ مِنْ أَوَّلِهِ -[٦١٨]- وَبِالرَّاءِ كَأَنَّهُ وَجَّهَ ذَلِكَ إِلَى مِثْلِ مَعْنَى نَشْرِ الشَّيْءَ وَطَيِّهِ، وَذَلِكَ قِرَاءَةٌ غَيْرُ مَحْمُودَةٍ، لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تَقُولُ: نَشَرَ الْمَوْتَى، وَإِنَّمَا تَقُولُ: أَنْشَرَ اللَّهُ الْمَوْتَى، فَنَشَرُوا هُمْ بِمَعْنَى: أَحْيَاهُمْ فَحَيُوا هُمْ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرهُ﴾ [عبس: ٢٢] وَقَوْلُهُ: ﴿آلِهَةٌ مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشَرُونَ﴾ [الأنبياء: ٢١]، وَعَلَى أَنَّهُ إِذَا أُرِيدَ بِهِ حَيِيَ الْمَيِّتُ وَعَاشَ بَعْدَ مَمَاتِهِ، قِيلَ: نَشَرَ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَةَ:
[البحر السريع]
حَتَّى يَقُولَ النَّاسُ مِمَّا رَأَوْا | يَا عَجَبًا لِلْمَيِّتِ النَّاشِرِ |
وَرُوِيَ سَمَاعًا مِنَ الْعَرَبِ: كَانَ بِهِ جَرَبٌ فَنَشَرَ، إِذَا عَادَ وَحَيِيَ. وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ مَعْنَى الْإِنْشَارِ وَمَعْنَى الْإِنْشَازِ مُتَقَارِبَانِ، لِأَنَّ مَعْنَى الْإِنْشَازِ التَّرْكِيبُ وَالْإِثْبَاتُ وَرَدُّ الْعِظَامِ مِنَ الْعِظَامِ وَإِعَادَتُهَا لَا شَكَّ أَنَّهُ رَدَّهَا إِلَى أَمَاكِنِهَا وَمَوَاضِعِهَا مِنَ الْجَسَدِ بَعْدَ مُفَارَقَتِهَا إِيَّاهَا، فَهُمَا وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي اللَّفْظِ فَمُتَقَارِبَا الْمَعْنَى، وَقَدْ جَاءَتْ بِالْقِرَاءَةِ بِهِمَا الْأُمَّةُ مَجِيئًا يَقْطَعُ الْعُذْرَ وَيُوجِبُ الْحُجَّةَ، فَبِأَيِّهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ لِانْقِيَادِ مَعْنَيَيْهِمَا، وَلَا حُجَّةَ تُوجِبُ لِإِحْدَاهُمَا مِنَ الْقَضَاءِ بِالصَّوَابِ عَلَى الْأُخْرَى، فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ الْإِنْشَارَ إِذَا كَانَ إِحْيَاءً فَهُوَ بِالصَّوَابِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِالنَّظَرِ -[٦١٩]- إِلَى الْعِظَامِ وَهِيَ تُنْشَرُ إِنَّمَا أُمِرَ بِهِ لِيَرَى عِيَانًا مَا أَنْكَرَهُ بِقَوْلِهِ:
﴿أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [البقرة: ٢٥٩] فَإِنَّ إِحْيَاءَ الْعِظَامِ لَا شَكَّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِنَّمَا عَنَى بِهِ رَدَّهَا إِلَى أَمَاكِنِهَا مِنْ جَسَدِ الْمَنْظُورِ إِلَيْهِ، وَهُوَ يَحْيَا، لَا إِعَادَةَ الرُّوحِ الَّتِي كَانَتْ فَارَقَتْهَا عِنْدَ الْمَمَاتِ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ:
﴿ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا﴾ [البقرة: ٢٥٩] وَلَا شَكَّ أَنَّ الرُّوحَ إِنَّمَا نُفِخَتْ فِي الْعِظَامِ الَّتِي أُنْشِرَتْ بَعْدَ أَنْ كُسِيَتِ اللَّحْمَ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ مَعْنَى الْإِنْشَازِ تَرْكِيبَ الْعِظَامِ وَرَدَّهَا إِلَى أَمَاكِنِهَا مِنَ الْجَسَدِ، وَكَانَ ذَلِكَ مَعْنَى الْإِنْشَارِ، وَكَانَ مَعْلُومًا اسْتِوَاءُ مَعْنَيَيْهِمَا، وَأَنَّهُمَا مُتَّفِقَا الْمَعْنَى لَا مُخْتَلِفَاهُ، فَفِي ذَلِكَ إِبَانَةٌ عَنْ صِحَّةِ مَا قُلْنَا فِيهِ، وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ الثَّالِثَةُ فَغَيْرُ جَائِزَةٍ الْقِرَاءَةُ بِهَا عِنْدِي، وَهِيَ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: (كَيْفَ نَنْشُرَهَا) بِفَتْحِ النُّونِ وَبِالرَّاءِ، لِشُذُوذِهَا عَنْ قِرَاءَةِ الْمُسْلِمِينَ وَخُرُوجِهَا عَنِ الصَّحِيحِ الْفَصِيحِ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ