يَعْنِي يَقْطَعُهَا، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ تَأْوِيلَ قَوْلِهِ: ﴿فَصُرْهُنَّ إليك﴾ [البقرة: ٢٦٠]، كان في الكلام تقديم وتأخير، ويكون معناه فخذ أربعة من الطير إليك فصرهن وَيَكُونُ ﴿إِلَيْكَ﴾ [البقرة: ٤] مِنْ صِلَةِ ﴿خُذْ﴾ [الأعراف: ١٩٩] وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ: (فَصِرْهُنَّ إِلَيْكَ) بِالْكَسْرِ، بِمَعْنَى قَطِّعْهُنَّ. وَقَدْ زَعَمَ جَمَاعَةٌ مِنْ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ أَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ فَصُرْهُنَّ وَلَا فَصِرْهُنَّ، بِمَعْنَى قَطِّعْهُنَّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ كَسْرَ الصَّادِ وَضَمِّهَا فِي ذَلِكَ إِلَّا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَأَنَّهُمَا جَمِيعًا لُغَتَانِ بِمَعْنَى الْإِمَالَةِ، وَأَنَّ كَسْرَ الصَّادِ مِِنْهَا لُغَةٌ فِي هُذَيْلٍ وَسُلَيْمٍ، وَأَنْشَدُوا لِبَعْضِ بَنِي سُلَيْمٍ:
[البحر الطويل]

وَفَرْعٍ يَصِيرُ الْجِيدَ وَحْفٍ كَأَنَّهُ عَلَى اللَّيْتِ قِنْوَانُ الْكُرُومِ الدَّوَالِحُ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ يَصِيرُ: يَمِيلُ، وَأَنَّ أَهْلَ هَذِهِ اللُّغَةِ يَقُولُونَ: صَارَهُ وَهُوَ يَصِيرُهُ صَيْرًا، وَصِرْ وَجْهَكَ إِلَيَّ: أَيْ أَمِلْهُ، كَمَا تَقُولُ: صُرْهُ. وَزَعَمَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ لِقَوْلِهِ: ﴿فَصُرْهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٦٠] وَلَا لِقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ: ﴿فَصُرْهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٦٠] بِضَمِّ الصَّادِ وَكَسْرِهَا وَجْهًا فِي التَّقْطِيعِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ ﴿فَصُرْهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٦٠] إِلَيْكَ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهُ بِكَسْرِ الصَّادِ مِنَ الْمَقْلُوبِ، وَذَلِكَ أَنْ تَكُونَ لَامُ فِعْلِهِ جُعِلَتْ مَكَانَ عَيْنِهِ، وَعَيْنُهُ مَكَانَ لَامِهِ، فَيَكُونُ مِنْ صَرَى يَصْرِي صَرْيًا،


الصفحة التالية