[البحر الطويل]

وَلَسْتُ بِجِلْبِ جِلْبِ لَيْلٍ وَقِرَّةٍ وَلَا بِصَفَا صَلْدٍ عَنِ الْخَيْرِ مَعْزِلِ
ثُمَّ رَجَعَ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِلَى ذِكْرِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ ضَرَبَ الْمَثَلَ لِأَعْمَالِهِمْ، فَقَالَ: فَكَذَلِكَ أَعْمَالُهُمْ بِمَنْزِلَةِ الصَّفْوَانِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ تُرَابٌ، فَأَصَابَهُ الْوَابِلُ مِنَ الْمَطَرِ، فَذَهَبَ بِمَا عَلَيْهِ مِنَ التُّرَابِ، فَتَرَكَهُ نَقِيًّا لَا تُرَابَ عَلَيْهِ وَلَا شَيْءَ، يَرَاهُمُ الْمُسْلِمُونَ فِي الظَّاهِرِ أَنَّ لَهُمُ أَعْمَالًا كَمَا يُرَى التُّرَابُ عَلَى هَذَا الصَّفْوَانِ بِمَا يُرَاءُونَهُمْ بِهِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَصَارُوا إِلَى اللَّهِ اضْمَحَلَّ ذَلِكَ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ كَمَا ذَهَبَ الْوَابِلُ مِنَ الْمَطَرِ بِمَا كَانَ عَلَى الصَّفْوَانِ مِنَ التُّرَابِ، فَتَرَكَهُ أَمْلَسَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿لَا يَقْدِرُونَ﴾ [البقرة: ٢٦٤]، يَعْنِي بِهِ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ، وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، يَقُولُ: لَا يَقْدِرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى ثَوَابِ شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا فِي الدُّنْيَا؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْمَلُوا لِمَعَادِهِمْ وَلَا لِطَلَبِ مَا عِنْدَ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ، وَلَكِنَّهُمْ عَمِلُوهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَطَلَبَ حَمْدِهِمْ، وَإِنَّمَا حَظُّهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ مَا أَرَادُوهُ وَطَلَبُوهُ بِهَا. ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ، يَقُولُ: لَا يُسَدِّدُهُمْ لِإِصَابَةِ الْحَقِّ فِي نَفَقَاتِهِمْ وَغَيْرِهَا فَيُوَفِّقُهُمْ لَهَا، وَهُمْ لِلْبَاطِلِ عَلَيْهَا مُؤْثِرُونَ، وَلَكِنَّهُ تَرَكَهُمْ فِي ضَلَالَتِهِمْ يَعْمَهُونَ، فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ: لَا تَكُونُوا كَالْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ هَذَا الْمَثَلُ صِفَةُ أَعْمَالِهِمْ، فَتُبْطِلُوا أُجُورَ صَدَقَاتِكُمْ بِمَنِّكُمْ


الصفحة التالية
Icon