صَدَقَاتِهُمْ مَوَاضِعَهَا لَكَانَ الْكَلَامُ: «وَتَثَبُّتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ» لَا «وَتَثْبِيتًا» وَلَكِنْ مَعْنَى ذَلِكَ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ: وَتَثْبِيتٌ مِنْ أَنْفُسِ الْقَوْمِ إِيَّاهُمْ بِصِحَّةِ الْعَزْمِ وَالْيَقِينِ بِوَعْدِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا تُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ نَظِيرَ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا﴾ [المزمل: ٨] وَلَمْ يَقُلْ: تَبَتُّلًا؟ قِيلَ: إِنَّ هَذَا مُخَالِفُ لِذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا إِنَّمَا جَازَ أَنْ يُقَالَ فِيهِ: ﴿تُبْتِيلًا﴾ [المزمل: ٨] لِظُهُورِ ﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ﴾ [المزمل: ٨]، فَكَانَ فِي ظُهُورِهِ دَلَالَةٌ عَلَى مَتْرُوكٍ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي مِنْهُ قِيلَ: تَبْتِيلًا، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَتْرُوكَ هُوَ: «تَبَتَّلْ فَيُبَتِّلَكَ اللَّهُ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا» وَقَدْ تَفْعَلُ الْعَرَبُ مِثْلَ ذَلِكَ أَحْيَانًا تُخْرِجُ الْمَصَادِرَ عَلَى غَيْرِ أَلْفَاظِ الْأَفْعَالِ الَّتِي تَقَدَّمَتْهَا إِذَا كَانَتِ الْأَفْعَالُ الْمُتَقَدِّمَةُ تَدُلُّ عَلَى مَا أُخْرِجَتْ مِنْهُ، كَمَا قَالَ جَلَّ وَعَزَّ: ﴿وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا﴾ [نوح: ١٧] وَقَالَ: ﴿وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا﴾ [آل عمران: ٣٧] وَالنَّبَاتُ: مَصْدَرُ نَبَتَ وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ؛ لِمَجِيءِ أَنْبَتَ قَبْلَهُ، فَدَلَّ عَلَى الْمَتْرُوكِ الَّذِي مِنْهُ قِيلَ نَبَاتًا، وَالْمَعْنَى: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ فَنَبَتُّمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا، وَلَيْسَ قَوْلُهُ: ﴿وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ [البقرة: ٢٦٥] كَلَامًا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَوَهَّمًا بِهِ أَنَّهُ مَعْدُولٌ عَنْ بِنَائِهِ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَيَتَثَبَّتُونَ فِي وَضْعِ الصَّدَقَاتِ مَوَاضِعَهَا، فَيُصْرَفُ إِلَى الْمَعَانِي الَّتِي صُرِفَ إِلَيْهَا قَوْلُهُ: ﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا﴾ [المزمل: ٨] وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْمَصَادِرِ الْمَعْدُولَةِ عَنِ الْأَفْعَالِ الَّتِي هِيَ ظَاهِرَةٌ قَبْلَهَا.