لِلشَّهَادَةِ وَقَدْ أَلْزَمُهُمُ اسْمَ الشُّهَدَاءِ، وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَلْزَمَهُمُ اسْمُ الشُّهَدَاءِ إِلَّا وَقَدِ اسْتُشْهِدُوا قَبْلَ ذَلِكَ، فَشَهِدُوا عَلَى مَا أَلْزَمَهُمْ شَهَادَتَهُمْ عَلَيْهِ اسْمُ الشُّهَدَاءِ، فَأَمَّا قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدُوا عَلَى شَيْءٍ فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ شُهَدَاءُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الِاسْمَ لَوْ كَانَ يَلْزَمُهُمْ وَلَمَّا يُسْتَشْهَدُوا عَلَى شَيْءٍ يَسْتَوْجُبَونَ بِشَهَادَتِهُمْ عَلَيْهِ هَذَا الِاسْمَ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَرْضِ أَحَدٌ لَهُ عَقْلٌ صَحِيحٌ إِلَّا وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ أَنْ يُقَالَ لَهُ شَاهِدٌ، بِمَعْنَى أَنَّهُ سَيَشْهَدُ، أَوْ أَنَّهُ يَصْلُحُ لِأَنْ يَشْهَدَ وَإِنْ كَانَ خَطَأً أَنْ يُسَمَّى بِذَلِكَ الِاسْمِ إِلَّا مَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لِغَيْرِهِ، أَوْ مَنْ قَدْ قَامَ بِشَهَادَتِهِ، فَلَزِمَهُ لِذَلِكَ هَذَا الِاسْمُ؛ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الْمَعْنِيَّ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢] مَنْ وَصَفْنَا صِفَتَهُ مِمَّنْ قَدِ اسْتُرْعِيَ شَهَادَةً أَوْ شَهِدَ، فَدُعِيَ إِلَى الْقِيَامِ بِهَا؛ لِأَنَّ الَّذِي لَمْ يُسْتَشْهَدْ وَلَمْ يُسْتَرْعَ شَهَادَةً قَبْلَ الْإِشْهَادِ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ اسْمَ شَهِيدٍ وَلَا شَاهِدٍ، لِمَا قَدْ وَصَفْنَا قَبْلُ مَعَ أَنَّ فِيَ دُخُولِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي «الشُّهَدَاءِ» دَلَالَةً وَاضِحَةً عَلَى أَنَّ الْمُسَمَّى بِالنَّهْيِ عَنْ تَرْكِ الْإِجَابَةِ لِلشَّهَادَةِ أَشْخَاصٌ مَعْلُومُونَ قَدْ عُرِفُوا بِالشَّهَادَةِ، وَأَنَّهُمُ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَهْلَ الْحُقُوقِ بِاسْتِشْهَادِهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾ [البقرة: ٢٨٢] وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُمْ إِنَّمَا أُمِرُوا بِإِجَابَةِ دَاعِيهِمْ لِإِقَامَةِ شَهَادَتِهِمْ بَعْدَ مَا اسْتُشْهِدُوا فَشَهِدُوا؛ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا لِمَنْ أَعْرَضَ مِنَ النَّاسِ فَدُعِيَ إِلَى الشَّهَادَةِ يَشْهَدُ عَلَيْهَا لَقِيلَ: وَلَا يَأْبَ شَاهِدٌ إِذَا مَا دُعِيَ،