ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَقُولُ: «مَعَكُمْ بِالْبَلَدِ تَرَوْنَهَا فَتُؤْخَذَ وَتُعْطَى، فَلَيْسَ عَلَى هَؤُلَاءِ جُنَاحٌ أَنْ لَا يَكْتُبُوهَا»
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٢] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: «أَمَرَ اللَّهُ أَنْ لَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ، وَأَمَرَ مَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ أَنْ يُشْهَدَ عَلَيْهِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا وَرَخَّصَ لَهُمْ أَنْ لَا يَكْتُبُوهُ» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَعَامَّةُ الْقُرَّاءِ: (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةٌ حَاضِرَةٌ) بِالرَّفْعِ، وَانْفَرَدَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ فَقَرَأَهُ بِالنَّصْبِ، وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فِي الْعَرَبِيَّةِ، إِذْ كَانَتِ الْعَرَبُ تَنْصِبَ النَّكِرَاتِ وَالْمَنْعُوتَاتِ مَعَ «كَانَ»، وَتُضْمِرُ مَعَهَا فِي «كَانَ» مَجْهُولًا، فَتَقُولُ: إِنْ كَانَ طَعَامًا طَيِّبًا فَأْتِنَا بِهِ، وَتَرْفَعُهَا فَتَقُولُ: إِنْ كَانَ طَعَامٌ -[١٠٧]- طَيِّبٌ فَأْتِنَا بِهِ، فَتَتْبَعُ النَّكِرَةُ خَبَرَهَا بِمِثْلِ إِعْرَابِهَا، فَإِنَّ الَّذِي اخْتَارَ مِنَ الْقِرَاءَةِ، ثُمَّ لَا أَسْتَجِيزُ الْقِرَاءَةَ بِغَيْرِهِ الرَّفْعُ فِي التِّجَارَةِ الْحَاضِرَةِ لِإِجْمَاعِ الْقُرَّاءِ عَلَى ذَلِكَ، وَشُذُوذِ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ نَصَبًا عَنْهُمْ، وَلَا يُعْتَرَضُ بِالشَّاذِّ عَلَى الْحُجَّةِ، وَمِمَّا جَاءَ نَصَبًا قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر المتقارب]

أَعَيْنَيَّ هَلْ تَبْكِيَانِ عِفَاقَا إِذَا كَانَ طَعَنًا بَيْنَهُمْ وِعِنَاقَا
وَقَوْلُ الْآخَرِ:
[البحر الطويل]
وَلِلَّهِ قَوْمِي أَيُّ قَوْمٍ لِحُرَّةٍ إِذَا كَانَ يَوْمًا ذَا كَوَاكِبَ أَشْنَعَا
وَإِنَّمَا تَفْعَلُ الْعَرَبُ ذَلِكَ فِي النَّكِرَاتِ لِمَا وَصَفْنَا مِنَ اتِّبَاعِ أَخْبَارِ النَّكِرَاتِ أَسْمَاءَهَا، وَكَانَ مِنْ حُكْمِهَا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا مَرْفُوعٌ وَمَنْصُوبٌ، فَإِذَا رَفَعُوهُمَا جَمِيعَهُمَا تَذَكَّرُوا اتِّبَاعَ النَّكِرَةِ خَبَرَهَا، وَإِذَا نَصَبُوهُمَا تَذَكَّرُوا صُحْبَةَ «كَانَ» لِمَنْصُوبٍ وَمَرْفُوعٍ، وَوَجَدُوا النَّكِرَةَ يَتْبَعُهَا خَبَرُهَا، وَأَضْمَرُوا فِي كَانَ مَجْهُولًا لِاحْتِمَالِهَا الضَّمِيرَ، -[١٠٨]- وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ مَنَ قَرَأَ ذَلِكَ: ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً﴾ [البقرة: ٢٨٢] إِنَّمَا قَرَأَهُ عَلَى مَعْنَى: إِلَّا أَنْ يَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً، فَزَعَمَ أَنَّهُ كَانَ يَلْزَمُ قَارِئَ ذَلِكَ أَنْ يَقْرَأَ «يَكُونَ» بِالْيَاءِ، وَأَغْفَلَ مَوْضِعَ صَوَابِ قِرَاءَتِهِ مِنْ جِهَةِ الْإِعْرَابِ، وَأَلْزَمَهُ غَيْرَ مَا يَلْزَمُهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ إِذَا جَعَلُوا مَعَ كَانَ نَكِرَةً مُؤَنَّثًا بِنَعْتِهَا أَوْ خَبَرِهَا، أَنَّثُوا «كَانَ» مَرَّةً، وَذَكَّرُوهَا أُخْرَى، فَقَالُوا: إِنْ كَانَتْ جَارِيَةً صَغِيرَةً فَاشْتَرُوهَا، وَإِنْ كَانَ جَارِيَةً صَغِيرَةً فَاشْتَرُوهَا، تُذَكَّرُ «كَانَ» وَإِنْ نُصِبَتِ النَّكِرَةُ الْمَنْعُوتَةُ أَوْ رُفِعَتْ أَحْيَانًا وَتُؤَنَّثُ أَحْيَانًا. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ أَنَّ قَوْلَهُ: (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةٌ حَاضِرَةٌ) مَرْفُوعَةٌ فِيهِ التِّجَارَةُ الْحَاضِرَةُ لِأَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى التَّمَامِ، وَلَا حَاجَةَ بِهَا إِلَى الْخَبَرِ، بِمَعْنَى: إِلَّا أَنْ تُوجَدَ أَوْ تَقَعَ أَوْ تَحْدُثَ، فَأَلْزَمَ نَفْسَهُ مَا لَمْ يَكُنْ لَهَا لَازِمًا؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَلْزَمُ نَفْسَهُ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ يَجِدُ لَكَانَ مَنْصُوبًا، وَوَجَدَ التِّجَارَةَ الْحَاضِرَةَ مَرْفُوعَةً، وَأَغْفَلَ جَوَازَ قَوْلِهِ: ﴿تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢] أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لِكَانَ، فَيَسْتَغْنِيَ بِذَلِكَ عَنْ إِلْزَامِ نَفْسِهِ مَا أَلْزَمَ. وَالَّذِي قَالَ مَنْ حَكَيْنَا قَوْلَهُ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ غَيْرُ خَطَأٍ فِي الْعَرَبِيَّةِ، غَيْرَ أَنَّ الَّذِيَ قُلْنَا بِكَلَامِ الْعَرَبِ أَشْبَهُ، وَفِي الْمَعْنَى أَصَحُّ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي قَوْلِهِ: ﴿تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢] وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى أَنَّهُ حَلَّ مَحَلَّ خَبَرِ «كَانَ»، وَالتِّجَارَةُ الْحَاضِرَةُ اسْمُهَا وَالْآخَرُ: أَنَّهُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى إِتْبَاعِ التِّجَارَةِ -[١٠٩]- الْحَاضِرَةِ؛ لِأَنَّ خَبَرَ النَّكِرَةِ يَتْبَعُهَا، فَيَكُونُ تَأْوِيلُهُ: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةٌ حَاضِرَةٌ دَائِرَةٌ بَيْنَكُمْ


الصفحة التالية
Icon