حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: " لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٢] كَانَ أَحَدُهُمْ يَجِيءُ إِلَى الْكَاتِبِ فَيَقُولُ: اكْتُبْ لِي، فَيَقُولُ: إِنِّي مَشْغُولٌ أَوْ لِي حَاجَةٌ، فَانْطَلِقْ إِلَى غَيْرِي، فَيَلْزَمُهُ وَيَقُولُ: إِنَّكَ قَدْ أُمِرْتَ أَنْ تَكْتُبَ لِي، فَلَا يَدَعُهُ وَيُضَارُّهُ بِذَلِكَ وَهُوَ يَجِدُ غَيْرَهُ، وَيَأْتِي الرَّجُلُ فَيَقُولُ: انْطَلِقْ مَعِي، فَيَقُولُ: اذْهَبْ إِلَى غَيْرِي فَإِنِّي مَشْغُولٌ أَوْ لِي حَاجَةٌ، فَيَلْزَمُهُ وَيَقُولُ: قَدْ أُمِرْتَ أَنْ تَتْبَعَنِي، فَيُضَارَّهُ بِذَلِكَ، وَهُوَ يَجِدُ غَيْرَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢] "
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ: ﴿وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَقُولُ: " إِنَّ لِي حَاجَةً فَدَعْنِي، فَيَقُولُ: اكْتُبْ لِي "، ﴿وَلَا شَهِيدٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢] «كَذَلِكَ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ، بِمَعْنَى: وَلَا يُضَارُّهُمَا مَنِ اسْتَكْتَبَ هَذَا أَوِ اسْتَشْهَدَ هَذَا بِأَنْ يَأْبَى عَلَى هَذَا إِلَّا أَنْ يَكْتُبَ لَهُ وَهُوَ مَشْغُولٌ بِأَمْرِ نَفْسِهِ، وَيَأْبَى عَلَى هَذَا إِلَّا أَنْ يُجِيبَ إِلَى الشَّهَادَةِ وَهُوَ غَيْرُ فَارِغٍ، عَلَى مَا قَالَهُ قَائِلُو ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلُ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: هَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ مُبْتَدَئِهَا إِلَى انْقِضَائِهَا عَلَى وَجْهِ افْعَلُوا أَوْ لَا تَفْعَلُوا، إِنَّمَا هُوَ -[١١٨]- خِطَابٌ لِأَهْلِ الْحُقُوقِ وَالْمَكْتُوبِ بَيْنَهُمُ الْكِتَابُ وَالْمَشْهُودِ لَهُمْ أَوْ عَلَيْهِمْ بِالَّذِي تَدَايَنُوهُ بَيْنَهُمْ مِنَ الدُّيُونِ، فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ أَمْرٍ أَوْ نَهْيٍ فِيهَا لِغَيْرِهِمْ، فَإِنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ لِلْغَائِبِ غَيْرِ الْمُخَاطَبِ كَقَوْلِهِ: ﴿وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢] وَكَقَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢] وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَالْوَاجِبُ إِذَا كَانَ الْمَأْمُورُونَ فِيهَا مَخَاطَبِينَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢] أَشْبَهُ مِنْهُ بِأَنْ يَكُونَ مَرْدُودًا عَلَى الْكَاتِبِ وَالشَّهِيدِ، وَمَعَ ذَلِكَ إِنَّ الْكَاتِبَ وَالشَّهِيدَ لَوْ كَانَا هُمَا الْمَنْهِيَّيْنِ عَنِ الضِّرَارِ لَقِيلَ: وَإِنْ يَفْعَلَا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِهِمَا، لِأَنَّهُمَا اثْنَانِ، وَإِنَّمَا غَيْرُ مَخَاطَبِينَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا يُضَارَّ﴾ [البقرة: ٢٨٢] بَلِ النَّهْيُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا يُضَارَّ﴾ [البقرة: ٢٨٢] نَهْيٌ لِلْغَائِبِ غَيْرِ الْمُخَاطَبِ، فَتَوْجِيهُ الْكَلَامِ إِلَى مَا كَانَ نَظِيرًا لِمَا فِي سِيَاقِ الْآيَةِ، أَوْلَى مِنْ تَوْجِيهِهِ إِلَى مَا كَانَ مُنْعَدِلًا عَنْهُ